الوقت- في خطوة لافتة على الساحة الدولية، أعلنت البرازيل رسميا انضمامها إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الإسرائيلي، متهمة إياها بارتكاب انتهاكات خطيرة تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، القرار البرازيلي الذي صدر يوم 17 سبتمبر، جاء استنادًا إلى المادة 63 من نظام محكمة العدل الدولية التي تتيح للدول الأطراف في المعاهدات الدولية التدخل عندما يكون موضوع القضية متعلقًا بتفسير إحدى تلك المعاهدات.
خلفية القضية
جنوب أفريقيا كانت قد رفعت الدعوى في ديسمبر 2023، متهمة الكيان الإسرائيلي بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية الموقعة عام 1948، وطالبت المحكمة بإصدار تدابير عاجلة لحماية المدنيين الفلسطينيين ووقف الأعمال العسكرية التي تسببت في مقتل وتشريد مئات الآلاف.
في يناير 2024، أصدرت المحكمة إجراءات مؤقتة أمرت فيها الكيان الإسرائيلي باتخاذ خطوات لضمان حماية الفلسطينيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ورغم ذلك، استمرت التقارير الدولية في الحديث عن تفاقم الوضع الإنساني داخل قطاع غزة.
دوافع البرازيل
وزارة الخارجية البرازيلية أوضحت في بيانها أن قرار التدخل يأتي من منطلق "التزام البرازيل الثابت بالقانون الدولي وحقوق الإنسان"، مؤكدة أن انضمامها لا يعني انحيازًا لطرف سياسي بقدر ما هو "دفاع عن التزامات المجتمع الدولي في منع تكرار جرائم الإبادة الجماعية".
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا كان قد انتقد مرارًا العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، واعتبرها "انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي"، كما صرح في أكثر من مناسبة أن بلاده ستقف دائمًا مع القضايا العادلة ومع حق الشعوب في الحياة الكريمة.
ردود الفعل الدولية
قرار البرازيل لاقى ترحيبا واسعا من عدد من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، تركيا والمكسيك وتشيلي، التي كانت قد أعلنت سابقا نيتها التدخل في الدعوى، اعتبرت الخطوة البرازيلية "تعزيزا للجبهة الدولية الساعية لوقف الانتهاكات ضد المدنيين في غزة".
من جهتها، اعتبرت منظمات حقوقية أن انضمام دولة بحجم البرازيل، التي تعد أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية وعضوًا في مجموعة البريكس، سيزيد من الزخم القانوني والسياسي للقضية، وقد يفتح الباب أمام مزيد من الدول لاتخاذ خطوات مشابهة.
أما الكيان الإسرائيلي، فقد أعرب عن استيائه من القرار، واعتبر أن البرازيل "تخضع لضغوط سياسية"، مؤكدة أن محكمة العدل الدولية ليست المكان المناسب للنظر فيما وصفته بـ"حق الكيان الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه ضد الإرهاب".
تبعات القرار
انضمام البرازيل يحمل دلالات قانونية وسياسية مهمة، فمن الناحية القانونية، يعني أن أي تفسير أو حكم تصدره المحكمة بشأن اتفاقية منع الإبادة سيكون ملزمًا للبرازيل أيضًا، كما سيتيح لها تقديم مذكرات مكتوبة ومرافعات شفوية أمام المحكمة لعرض وجهة نظرها حول كيفية تطبيق الاتفاقية.
أما على المستوى السياسي، فمن المتوقع أن يزيد القرار من حدة التوتر في العلاقات بين برازيليا وتل أبيب، خاصة بعد التصريحات السابقة للرئيس لولا التي شبه فيها بعض ممارسات الجيش الإسرائيلي بما تعرض له اليهود في المحرقة، الكيان الإسرائيلي كان قد استدعى سفيره من البرازيل في وقت سابق هذا العام احتجاجا على هذه التصريحات.
في المقابل، قد يكسب القرار البرازيلي دعمًا أكبر من الدول العربية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني الدولية، ما يعزز مكانتها كقوة عالمية تسعى لترسيخ مبادئ العدالة والحقوق الإنسانية.
الموقف داخل البرازيل
في الداخل، انقسمت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، أحزاب اليسار رحبت بالقرار واعتبرته "انتصارا للمبادئ الإنسانية"، بينما انتقدت بعض القوى اليمينية ما وصفته بـ"تورط غير ضروري للبرازيل في نزاع خارجي معقد"، وسائل الإعلام البرازيلية بدورها تناولت الموضوع على نطاق واسع، مشيرة إلى أن القرار يعكس التحولات في السياسة الخارجية تحت قيادة لولا دا سيلفا.
سياق أوسع
البرازيل ليست الدولة الوحيدة التي قررت الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا، فقد سبقتها عدة دول مثل إسبانيا وإيرلندا وتركيا، فيما تدرس دول أخرى اتخاذ خطوات مماثلة، هذا الزخم المتزايد قد يضع الكيان الإسرائيلي أمام عزلة متنامية في المحافل الدولية، ويزيد الضغوط السياسية والقانونية عليها.
في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن القضية قد تستغرق سنوات قبل أن تصدر المحكمة حكمًا نهائيًا بشأنها، وهو ما يجعل التدابير المؤقتة الصادرة عن المحكمة ذات أهمية خاصة في المرحلة الراهنة لحماية المدنيين.
قرار البرازيل بالانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية يمثل محطة جديدة في مسار الأزمة الفلسطينية، وهو خطوة تعكس تصاعد الدعم الدولي للجهود الرامية إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في غزة، كما تعكس أيضًا رغبة قوى ناشئة مثل البرازيل في لعب دور أكثر فعالية على الساحة الدولية.
وبينما يبقى مصير القضية القضائية رهنًا بمداولات المحكمة التي قد تستمر لسنوات، فإن الزخم السياسي والإعلامي الناتج عن هذه الخطوة قد يسهم في تسليط الضوء أكثر على معاناة الفلسطينيين، ويزيد من الضغط على المجتمع الدولي للتحرك الجاد لوقف المأساة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة.
