الوقت- حضر قادة وزعماء أكثر من 55 بلد عربي وإسلامي والرئيس الأمريكي التاجر دونالد ترامب، في الرياض للمشاركة في قمة عنوانها "قمة أمريكية إسلامية" أما المضمون فهو كما عبرت عنه إحدى الصحف العربية "قمة النذالة والذل" نذالة وذل غير مسبوق لزعماء دول وممالك تباروا فيما بينهم على الخضوع وتقديم الطاعة لإله أمريكي هو معبودهم منذ عقود.
أما اللافت في هذه القمة فكان خطاب ترامب الذي دغدغ مشاعر الزعماء العرب من خلال تصريحاته التي أطلقها، فتكلم بلسانهم ونطق بما يحلو لهم الاستماع إليه، ولذلك نريد في هذه المقالة أن نسلط الضوء على هذا الخطاب، في محاولة لتفنيد ما قاله وتقديم بعض الإجابات والاستفهامات حول ما عبر عنه.
كان عنوان ترامب الأهم هو إيران حيث اعتبر أن على النظام "الاختيار بين العزلة والدخول في المنظومة الدولية" والجواب على ذلك بسيط، فلينظر ترامب إلى من هنأ الرئيس الإيراني روحاني بفوزه بالانتخابات من قادة العالم، فالرئيس الفرنسي والصيني والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني والياباني ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الكثيرين غيرهم من قادة العالم سارعوا في توجيه رسائل التهنئة للرئيس روحاني والتأكيد على مواصلة تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية المشتركة فيما بينهم. ولكن الظاهر أن ترامب يقصد بالعزلة الدولية دول الخليج الفارسي التي هو بضيافتها.
ثم يضيف ترامب "إيران مسؤولة عن الإرهاب في سوريا والعراق واليمن".
نعم يا سيد العرب وإلههم، إيران هي الوحيدة التي وقفت بجانب سوريا منعا لسقوطها بيد الإرهابيين وهي أول دولة سارعت إلى الحضور في الميدان العراقي بعد ساعات من اجتياح تنظيم داعش الارهابي لمحافظة الموصل واقترابه من العاصمة بغداد، مبعدة الخطر الحتمي في حينها عن بغداد وداعمة العراق في تشكيل الحشد الشعبي الذي أخرج داعش من مناطق واسعة، الحشد الذي تعاديه أنت وعربانك الذين في ضيافتهم.
يضيف ترامب مهاجما إيران أيضا "الشعب الإيراني هو أكبر ضحية لنظامه"، ولكن ما هذا الهراء، أم أنك لم تتابع الملحمة التي سطرها الشعب الإيراني في الانتخابات الرئاسية، حيث اصطف الإيرانيون في طوابير بانتظار فرصة للإدلاء بأصواتهم وانتخاب رئيس بلادهم، عرس ديمقراطي حقيقي سطره الشعب الإيراني في الداخل والخارج من خلال المشاركة الكثيفة، وقد أذعنت كل دول العالم بشعبیة النظام الإسلامي في إيران والانسجام بينه وبين قيادته. وهذا الأمر يؤكد القبول والرضا الشعبي بخيارات حكومته وخاصة على صعيد السياسة الخارجية.
ينتقل ترامب في خطابه ليوجه سهامه إلى حزب الله متهما إياه بالإرهاب ومتباهيا بالعقوبات الجديدة التي فرضتها إدارته عليه. هنا أيضا يجب لفت نظر ترامب إلى مسألة مهمة جدا وهي أن الحاضنة الشعبية للحزب في لبنان أوسع مما يتصوره ترامب، وهذا الاحتضان الشعبي الداخلي والعابر للطوائف والأديان هو خير دليل على صحة خيارات الحزب وعدم موضوعية تهم الإرهاب الملصقة به، طبعا معيار ترامب هنا هو العداء للكيان الإسرائيلي وبناء على هذا المعيار فقد صدق ترامب وعبيده الخليجيين من أشباه الرجال هم السماحة والاعتدال خاصة مع الكيان الإسرائيلي.
يضيف ترامب شعارا آخر قائلا "نحن يجب أن نقف معا مقابل المجازر التي تقتل المسلمين من دون ذنب". شعار جميل وجذاب، وحتما من المهم الوقوف في وجه كل من يقتل الابرياء. وهنا نتساءل ترامب، من الذي يشن عدوانا على الشعب اليمني منذ ما يزيد عن العامين، من قتل الآلاف وشرد الملايين وأدى إلى انتشار وباء الكوليرا في اليمن، من دعم وسلح وساهم في مد شرايين الحياة للمجموعات التكفيرية التي تقاتل اليوم في سوريا والعراق، بأي سلاح قُتل الشعب الأفغاني، ومن وراء الصمت الدولي والعربي عن النكبة الفلسطينية المستمرة منذ أواسط القرن الماضي و ...؟
هذه الأسئلة وغيرها يعرف ترامب جيدا أجوبتها، ولكنه قرر أن يتحدث بلسان دول ومشيخات الخليج الفارسي، زيادة له في الكيل من ملياراتهم الرخيصة. فهاجم الضحية وتستر على الجناة، واتهم بالتطرف من يعانون منه وتناسى أنه في بلد صدر لأمريكا وحدها عشرات الإرهابيين ومنهم منفذي أحداث 11 أيلول /سبتمبر، في مقابل أن دولة كإيران وبناء على شهادات أمريكية لم ترسل إلى أمريكا سوى الأدمغة والمثقفين الذين يسهمون في تطور بلاده.
ختاما، وللتأكيد على أن كل ما قاله ترامب ليس سوى شعارات خالية، يكفي أن نشير إلى ما عبر عنه في مستهل خطابه قائلا: "الكلمات لا تكفي للتعبير عن عظمة السعودية" كلمة لولا ضبط ترامب أنفاسه لقهقه نفسه ضاحكا عليها، ولكنه قالها بالفعل وهو يعلم أن ثمنها مقبوض مسبقا، وكذلك كل ما صرح به وما استعرضناه خلال مقالنا فترامب نفسه غير مقتنع به ولكنه مستعد لتقديم الكلام الفارغ مقابل مليارات آل سعود التي سيحقق من خلالها وعوده الانتخابية للداخل الأمريكي.