الوقت- منذ ساعات الصباح الباكر توجّه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الاستفتاء الدستوري بغية تعديل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وهو الحدث الأبرز دستوريّاً منذ انقلاب العام 1980.
تبدو الكعكة التركية منقسمة حاليّاً بين مؤيد ومعارض للاستفتاء على الدستور الجديد الذي سيعزّز من سطوة الرئيس على كافّة المؤسسات بما فيها مجلس النواب التركي الذي يمتلك الرئيس القدرة على حلّه. ورغم أنّ تجربة الانتخابات الأمريكية أثبتت عدم دقّة النتائج الصادرة عن مؤسسات استطلاعات الرأي، إلا أنّ الاستناد إلى هذه المؤسسات يبقى ضبابياً حتى الساعة، نظراً للتقارب في النتائج التي بلغت وفق مؤسستي" كوندا" و "جيزيتشي" التركيتين المتخصصتين باستطلاع الرأي، 51 بالمئة تقريبا بـ"نعم"، مقابل 49 بالمئة بـ"كلا".
شعبيّاً، سيتمكن 55 مليونا و319 ألفا و222 ناخباً تركيا من التصويت في الاستفتاء الدستوري السابع، في 167 ألفا و140 صندوقاً بجميع ولايات البلاد لتعديل 18 مادة من الدستور بغية تحويل نظام الحكم إلى رئاسي.
المؤيدون والمعارضون
يرى المخالفون أن هذه التعديلات تعدّ مقدّمة لبسط نظام ديكتاتور وتعزيز سطوة الرئيس على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وذلك من خلال زيادة مدّة الرئاسة، سلب حق استيضاح الوزراء من المجلس وإعطائها للرئيس وإعطاء الرئيس الحقّ في حل البرلمان متى يشاء. في المقابل، يستند داعموا التعديلات إلى جملة من النقطة، أبرزها التخفيف من البيروقراطيّة التي تنتاب الحكم في تركيا، وكذلك سرعة مواجهة التحدّيات عبر حصر القرار بشخص واحد، بدل أن يكون الأمر جماعياً، وهو ما يحول في كثير من الأحيان دون التوصّل إلى نتيجة مُرضية.
لا شكّ في أن نتائج الاستفتاء الشعبي ستؤثر كثيراً على مستقبل تركيا وتحديداً حزب العدالة والتنمية الذي صعد إلى الحكم عقد ونصف (عام 2002)، خاصّة أن الحزب قد وضع كل رصيده السياسي خدمةً لهذا الأمر، وفي حال فشل أردوغان في تمريره، فهذا الأمر قد يكون مقدّمة لخسارة الحزب في الانتخابات المقبلة رغم أنّه نجح في الانتخابات الماضية بتشكيل الحكومة منفرداً.
وفي حال نجاح أردوغان في الفوز بالاستفتاء، فهذا الأمر سيعزّز وضعه على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولعل أوروبا الذي ساءت علاقاتها مع تركيا مؤخراً تندرج في هذا الإطار. بعبارة أخرى، رغم تصريح بعض الدول الأوروبيّة أنّها لن تقدم أي تسهيلات لشرعنة ما يطلقون عليها "الديكتاتورية"، ما دفع بأردوغان لتصعيد خطابه السياسي نحو أوروبا ووصف هولندا بأنَّها "بقايا الفاشية والنازية"، وتوعد بفرض عقوبات عليها، إلا أن العلاقات ستتحسّن بعد الانتخابات، مهما كانت النتائج، نظراً لحاجة كلا الطرفين إلى الآخر، رغم امتلاك تركيا أوراق أقوى في هذه المواجهة، ورقة اللاجئين، خاصّة أنّها قد تخلّت ظاهرياً عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي قد يبقى في مواجهة أردوغان حتّى العام 2028 في حال فوزه بولاية ثانية.
بين النجاح والفشل
اعتاد أردوغان قبل أيّ استحقاق مصيري أن يضع ملفّات الخارجيّة جانباً، و هذا ما حصل إبان الانتخابات النيابيّة الماضية في العام 2015، وكذلك الانقلاب العسكري الفاشل في العام 2016. وفي كلتا الحالتين، نجح أردوغان في استثمار الأمر وتحقيق أهدافه، ليعود بعدها إلى التركيز على الملفات الخارجيّة بشكل أكبر من السابق.
وبالتالي، فإن الإجابة بـ"نعم" على الـ"18" مادة المقترحة للتعديل، يعني تعزيز الدور التركي الإقليمي وفق سياسة أردوغان السابقة، كدرع الفرات، وربّما درع دجلة. فلا نستبعد علوّ الصوت التركي مجدّداً ضد الأكراد ومصير الرئيس الأسد، وحتّى لو وصل الأمر إلى خلاف سياسي مع واشنطن، إلا في حال إعطاء الأخيرة ضمانة لأردوغان بالغدر بالأكراد عند تحقّق الأهداف الأمريكية. وبالتالي، انطلاقاً من ارتباط الملفات الخارجيّة التركيّة بالاستفتاء، هناك تركيز إقليمي وغربي، وتحديداً أوروبي على نتائج الاستفتاء. كذلك، لا يمكن التغافل عن الدور التركي في الملف الفلسطيني حيث سيعمد أردوغان إلى تعزيز أوراقه المتعلّقة بحماس، وما ينتج عنها من مشاركة في أي مؤتمر إقليمي برعاية أمريكية لتصفية القضيّة الفلسطينية. داخلياً، أثبتت تجربة الانقلاب الفاشل اعتماد أردوغان سياسة تصفية الأعداء والمنافسين بعد تمكينه، وهذا ما يتوقّعه مراقبون، وتحديداً فيما يتعلّق بالأكراد.
وأمّا في حال كانت النتيجة بـ"كلا"، فسيُلقي هذا الأمر بظلاله على أردوغان خارجيّاً، إلا أنّنا لا نعتقد أن أردوغان سيتراجع قيد أنملة في الملفين السوري والعراقي، وتحديداً الأكراد. ورغم أن الكثير من المحليين يعتقد عكس ذلك، إلا أن فشل الاستفتاء يعني عدم تقدّم أردوغان إلى الأمام في سياسته الخارجيّة، إلا أن هذا لا يعني أبداً التراجع.
تبقى الإجابة النهائية رهن نتائج صناديق الاقتراع التركيّة التي ستفرغ ما في جيوبها بعد ساعات، وتحديداً من السادسة إلى غاية التاسعة مساء من قبل اللجنة العليا للانتخابات، فهل ستعود مرحلة السلاطين إلى تركيا؟ وهل أردوغان أوّلهم؟