الوقت- يُسيطر مناخ متوتّر على الأزمة السوريّة. توتّر يعكس حرباً باردا بين موسكو وحلفائها من جهة، وأمريكا وحلفائها من جهة أُخرى. التوتّر الذي بدأ في الشعيرات، يبدو أنّه يتّجه نحو الجنوب السوري بوجه أمريكي آخر.
ولعل هذه الحرب الباردة، لو صحّ تسميتها بذلك، ما هي إلا انعكاس آخر لحرب مستعرة على الأراضي السوريّة منذ سنوات، نجح خلالها الجيش السوري وحلفائه في استعادة زمام المبادرة وقلب الموازين لصالحهم على أكثر من جبهة بدءاً من حلب أم المعارك مروراً بالوسط السوري في حماه وتدمر، ووصولاً إلى الجنوب في درعا حيث يتمّ الحديث عن مشروع أمريكي جديد، لم تتّضح معالمه حتّى كتابة هذه السطور.
الجنوب السوري
فيما يخصّ الجنوب السوري، يبدو المشهد أكثر تعقيداً في ظل وجود لاعبين عدّة حيث لا يمكن التغافل عن الدور العربي الجديد، فضلاً عن الدور الإسرائيلي في تلك المنطقة. وفي حين كشفت بعض فصائل المعارضة في سوريا، أن واشنطن بدأت التجهيز لعملية عسكرية جديدة في عمق الأراضي السورية وتحديداً في منطقة البادية كشفت بعض التقارير عن تواجد قوات أمريكية ترافق قوات أردنية عند الحدود السورية الأردنية، فيما نقلت "رويترز" عن دبلوماسيين أن" خططا قيد الإعداد لشن ضربات جديدة للتحالف على متشدّدي داعش في الجنوب بما يشمل منطقة غربي مدينة درعا جنوب البلاد".
إن التدخّل المرتقب يحمل سيناريوهات عدّة نظراً للأطراف العدّة المتواجدة في تلك المنطقة، ولعلّه مشروع سيزيد من عمر الحرب السوريّة التي دخلت عامها السابع قبل فترة ليست ببعيدة.
البعض وجد في تحرّك الشعيرات مقدّمة لتحرّكات أخرى على نطاق أوسع، وهذا ما ظهر في البيان الذي صدر عن حلفاء سوريا الذي أكّد أنّه سيواجه أمريكا بكل قوة "ولو بلغ ما بلغ". وبما أنّ الأمر يبدو غير واضح المعالم حتّى الساعة هناك جملة من السناريوهات التي تحتكم لأطراف عدّة، نذكر منها:
أولاً: إيجاد منطقة عازلة بتمويل خليجي. بالطبع من أهمّ نقاط التوافق بين أمريكا والكيان الإسرائيلي وبعض الدول العربيّة في مقدّمتها الأردن والسعودية تتعلّق بإنشاء منطقة عازلة في الجنوب تحت ذريعة مواجهة داعش، كما فعل الأتراك شمالاً. هذا الأمر يعني تفعيل غرفة عملية الموك الشهيرة التي عطّل دورها بسبب الفشل الذي تعرض له ما سمي "جيش سوريا الجديد" منذ حوالي العامين. أي سيكون هناك استنساخ تجربة "درع الفرات" التركيّة في الجنوب السوري لمواجهة تنظيم داعش الممثل بجيش خالد بن الوليد وجبهة النصرة، تتزعّمها الأردن والملك عبدالله أول زعيم عربي يلتقي ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
ثانياً: ولعل إيجاد المنطقة العازلة الذي ينسف كل التفاهمات التي تم التوصل إليها برضى أردني لناحية تحييدّ ملف الجنوب السوري والحديث عن حل سياسي، دفع بالكيان الإسرائيلي الذي ناقش قبل أيام مسألة التدخّل في سوريا لدعم بعض الفصائل في بناء حزام أمني، للتأكيد على ضرورة إقامة منطقة عازلة لإبعاد خطر الجيش السوري وحلفائه من المنطقة الجنوبية وإنشاء مستوطنات في الجولان المحتل. وفي حال صعوبة المنطقة العازلة بسبب الموقف الروسي، قد تلجأ واشنطن إلى استنساخ تجربة قوات سوريا الديموقراطيّة في إنشاء قواعد عسكريّة تمهّد الأمر للتقسيم.
ثالثاً: فيما يتعلّق بسيناريو الدخول إلى الميدان قد يبدأ الأمر بتمهيد أردني يهيّئ الأرضية للفدراليّة، سواءً عبر تعزيز التواجد على الحدود وتعزيز قوّة "الردع السريع" الأردنية أو عبر الحضور الأمريكي في القواعد الجويّة الأردنيّة، ويصل الأمر ميدانيّاً إلى قطع الطريق الدولي بين دمشق والسويداء ودرعا.
ورغم ضبابيّة المشهد السوري، بشقيه الشمالي والجنوبي، إلا أن ما هو مؤكد، وفق خبراء عدّة، عدم دخول واشنطن في مواجهة بريّة مباشرة مع أي طرف من الأطراف خشية حصول خسائر بشريّة وامتثالاً لسياسة الحرب بالوكالة المعتمدة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وعد بعدم التدخّل العسكري الخارجي، إلا أن الهجوم الصاروخي على مطار "الشعيرات" أفقد السياسة الخارجية لترامب جزءاً من وعدها المميز "أمريكا أولاً"، وعكس نوعاً من النزعة العسكريّة للإدارة الأمريكية. إدارة الجنرالات "جيمس ماتيس" وزير الدفاع، "جون كيلي" وزير الأمن الداخلي و"هربرت ماكماستر" مستشار الأمن القومي.
إن أيّ تدخّل أمريكي واسع يحتاج إلى ضوء أخضر روسي، ونعتقد أن أي صفقة أمريكية روسيّة غير ناضجة، ولعل تحذير بوتين الأخير "حول عمل استفزازي مفاجئ يتم الإعداد له لضرب الجيش عبر دفع المعارضين إلى استخدام الأسلحة الكيماوية واتهام الأسد بذلك"، يندرج في السياق ذاته. نقصد هنا سياق التدخّل الأمريكي الذي يبدو مرتبكاً في أولوياته المعلنة التي تتوزّع بي القضاء على داعش وإزاحة الأسد.
باختصار، إن الحديث الجديد يعيد إلى الأذهان كلام الجنرال الأمريكي ديفيد بترايوس الذي تحدّث مؤخراً عن "منطقة سنّية تمتد من درعا إلى دير الزور تدخل في تكوين الفيدرالية السورية"، فكيف سيكون ردّ حلفاء سويا؟