الوقت - تعاني أنقرة في هذه الأيام من حالة عزلة دولية ناتجة عن سياساتها المتذبذبة مع الدول الصديقة والعدوة، فتركيا الأردوغانية تراودها أحلام شقية في هذه المنطقة، فهي تارة تريد توسيع سيطرتها وإعادة أمجاد السلطنة العثمانية، وتارة أخرى تريد القضاء على حزب العمال الكردستاني وتقويض أحلامه الفيدرالية.
واليوم يظهر إلى العلن توتر من نوع جديد مع أمريكا التي لطالما كانت حليفة وداعمة لسياسة أردوغان في المنطقة، ولكن عندما تتعارض المصالح تختلف الحسابات بالنسبة للأمريكي، وها نحن نشهد هذا التوتر وما زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون لتركيا وتصريحاته إلا دليل على ذلك.
صحيح أن تيلرسون قال إن هذه الزيارة تهدف إلى مواصلة "التعاون رفيع المستوى" مع تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي وكذلك بحث سبل مكافحة تنظيم "داعش"، إلا أن مايحدث فوق الطاولة يختلف تماما عما يجري تحتها، والتوتر القائم بين البلدين في الشمال السوري وتعارض مصالحهما هناك خير دليل على ذلك.
وهنا لابد من السؤال التالي هل تسعى واشنطن من خلال سياستها الحالية وخاصة ماتفعله في شمال سوريا إلى تقويض دور تركيا والإطاحة بأحلام أردوغان هناك وربما إشعاره بالخطر الكردي عن طريق دعم القيادات الكردية بالمال والسلاح؟
طبعا كل هذا يجري لغاية في نفس واشنطن، والقادم من الأيام سيكشف لنا النوايا المبيتة.
التوسع الكردي
قال قائد وحدة حماية الشعب الكردية " YPG"، سبان حمو، إنه بعد تحرير الرقة من تنظيم "داعش" الإرهابي، ستتجه وحدات الحماية نحو ادلب.
جاء كلام حمو في حوار أجرته معه صحيفة "الحياة"، حيث أعلن أنه من غير المستبعد أن تشارك وحدات الحماية ضمن تحالف قوات سوريا الديمقراطية، وعشائر وفصائل معتدلة في تحرير إدلب من جبهة النصرة، بعد تحرير الرقة من تنظيم داعش خلال أسابيع.
وأضاف سبان حمو، من المرجح أن يحصل تنسيق مع روسيا في العمليات العسكرية شمال غرب حلب باتجاه ادلب والتي تقع حاليا تحت سيطرة جيش الفتح. وقال إن التعاون مع الجانبين الأمريكي شرق الفرات والروسي غرب النهار سيستمر إلى حين القضاء على الإرهاب، وإيجاد حل عادل للقضية الكردية، وقيام نظام فيدرالي في سوريا ينظم العلاقة بين دمشق والأقاليم.
في الواقع فإن الأكراد من خلال العملية التي أعلنوا عنها بالتقدم نحو ادلب ستتم في حال حدوثها بالتنسيق والدعم من الولايات المتحدة، وهذا التقدم بدوره يمكن أن يسبب توترات خطيرة بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة، وروسيا وتركيا من جهة أخرى.
ويمكن أن نستنتج مما تقدم ذكره ان الولايات المتحدة تريد من خلال هذه الخطوة أن تخرج تركيا من شمال سوريا، وهذا سيسبب فقدان الثقة بتركيا من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة في ادلب والتي تعتمد في تمويلها وتسليحها على تركيا الداعمة والحاضنة لها، ومن الممكن أن يأتي بنتائج خطيرة على الداخل التركي.
وبالتالي فإن هذه القضية يمكن أن تضاعف التوتر بين الولايات المتحدة و تخلق أزمة سياسية عميقة في العلاقات بين البلدين والشعبين. وعليه يمكن أن نشهد تصعيداً تركياً كبيراً في الشمال السوري مع تقدم الأكراد نحو ادلب، لأن أنقرة تعيش حاليا حالة قلق كبيرة من احتمال نشوء كيان كردي مستقل على حدودها.
الرقة وصراع التحرير
مما لا شك فيه، إن ما يخطط لعملية تحرير الرقة لن يتم دون التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا، ومن المقرر أن يشارك في المعركة 16-17 ألف مقاتل عربي وكردي ضمن "قوات سوريا الديموقراطية" التي يتواصل وصول الدعم العسكري من التحالف إليها، ما شمل مدرعات وصواريخ مضادة للدروع وكاسحات ألغام ومدفعية ثقيلة مع احتمال وصول دبابات للمشاركة في المعركة.
وهنا يجب ألا ننسى أن قوات "سوريا الديمقراطية" قامت بعملية التفاف على الجيش السوري وقطعت الطريق عليه بعد أن كان من المقرر أن يتقدم الجيش السوري من ناحية الغرب وقوات "قسد" من ناحية الشمال.
أما قوات "درع الفرات" المدعومة تركياً فقد أعلنت على لسان مجلس الأمن القومي التركي، أن العمليات العسكرية لـ "درع الفرات" انتهت بنجاح، ولكن لماذا أعلنت تركيا توقف هذه العمليات وهي التي صرحت مراراً وتكراراً بأنها ماضية في تقدمها نحو مدينة منبج لتتابع بعدها التقدم نحو الرقة وتشارك في تحريرها، هل انسحبت تركيا من معركة تحرير الرقة بسبب الدعم الأمريكي للأكراد ورفضهم دعم عمليات "درع الفرات" أم السبب في ذلك يعود إلى اقتراب الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تنقل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي، وخشية أردوغان من فشل الاستفتاء في حال غامر في معركة الرقة؟