الوقت- قد ختمنا مقال سابق على هذه الزاوية تحت عنوان "الاستراتيجية العسكريّة الإسرائيلية ضد حزب الله"، بالسؤال التالي، كيف سيكون ردّ حزب الله على أي عدوان إسرائيلي جديد، ومن أين سيبدأ؟. لذلك سنحاول الإجابة على هذا السؤال الذي بات مطروحاً على أكثر من صعيد.
وفي الإجابة، يمكن الانطلاق من كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مع الأخذ بعين الاعتبار تجربتي حرب تموز وتدخّل الحزب في سوريا، دون الإغفال عن غياب قيادات في الصف الأول لحزب الله عن هذه المواجهة، وفي مقدّمتهم الشهيدين القائدين عماد مغنيّة (الحاج رضوان)، ومصطفى بد الدين (السيد ذو الفقار).
لم يُخطئ رئيس هيئة الأركان العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، غادي ايزنكوت، عندما قال "بان حزب الله يشكل الخطر الأول لدى "إسرائيل"، بسبب تعاظم قوته". فإيزنكوت صاحب "نظرية الضاحية" في أي حرب مقبلة، أي اعتماد سياسة تدميرية عالية ضمن مهلة زمنية محددّة، لم يأخذ بيعن الاعتبار النظرية المقابلة التي سيستخدمها الحزب، "نظرية تل أبيب" أو "نظرية الضاحية المقابلة"، لو صحّ تسميتها بذلك.
جرعة ثقة زائدة
ما يزيد في ثقة الإسرائيليين هذه الأيام هو استكمال الدرع الصاروخيّة متعدّدة المستويات والتي تدخل الخدمة بشكل كامل مطلع شهر أبريل القادم بعد تشغيل منظومة "مقلاع داوود" قصيرة المدى.
لستُ خبيراً بالمنظومات الصاروخيّة، ولكن أحُيلهم إلى كلام محلل الشؤون العسكرية، في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل، الذي أوضح في إحدى كتاباته على الصحيفة العبرية أنّ "مهمة صيد قذائف الصواريخ اثناء الحرب مستحيلة تقريبا – وأنا أقول ذلك كمختص في صيد الصواريخ"، ويضيف: لا يمكن محاربة الصواريخ بدبوس. وبالتالي، فإن نظرية وزير التربية ورئيس كتلة البيت اليهودي، الطامح لخلافة نتنياهو في رئاسة الحكومة، "نفتالي بينت" حول صيد الصواريخ، لا تعدو عن كونها "فقاعات إعلاميّة".
استراتيجية حزب الله القادمة
لا يُنكر أحد الدور الفاعل لقيادات أمثال الشهيدين مغنيّة وبدر الدين منذ مواجهات خلدة عام 1982 إلى الانتصارين في أيار 2000 وتموز 2006، إلاّ أن هناك قيادات من صف الشهيدين القائدين، تمتلك خبرات مماثلة، هذا لو صرفنا النظر عن الخبرات القتاليّة العاليّة التي تصدّرت لعشرات المرّات عناوين كلام رئيس مركز أبحاث الأمن القومي ورئيس الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق، عاموس يدلين
كثيرة هي التكهنات بشأن كيفيّة بدأ حزب الله لاستراتيجيته في الحرب القادمة. الحزب، وكما اعتدنا عليه منذ التأسيس، لم يكشف لا الشكل ولا المضمون لهذه الاستراتيجية سوى ما تحدّث عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من قبيل معادلة "الضاحية مقابل تل أبيب"، "الجليل"، "الأمونيا" وحتى المواقع النووية في أقصى جنوب فلسطين المحتلّة.
هذا التكتّم دفع بالإسرائيليين لمحاولة استشراف أي حرب مقبلة. تشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن حزب الله سيستهدف تسعة مواقع حساسة في الحرب القادمة، منها مفاعل ديمونا في النقب، ومصنع الصناعات العسكرية السري "رفائيل" الواقع في مدينة سخنين والمختص بالهندسة النووية، مصنع "ناحل سوريك" الواقع في الرملة، مصنع "الكيشون" في حيفا المتخصص في الأبحاث الكيماوية، مصنع "بئر يعقوب" المختص بصناعة الصواريخ الإسرائيلية، ومصنع "عيلبون" الذي يستخدمه جيش الاحتلال لتخزين الأسلحة التكتيكية النووية، ومعامل الأمونيا في حيفا، والتي عمل الكيان على نقل خزّاناتها مؤخراً.
غموض استراتيجيّة حزب الله العسكرية، والتي يؤكد خبراء أنّها ستبدأ أبعد بكثير مما انتهت عليه في حرب تموز، دفعت بالكيان الإسرائيلي للذهاب أبعد من ذلك، فقد تحدّثت مصادر أمنية وعسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى أن التقديرات الاستخباراتية العسكرية تؤكد أن "حزب الله" يمتلك مخزون من الصواريخ يصل إلى أكثر من 130 ألف صاروخ، وسيبدأ حزب الله الحرب القادمة بصليّةٍ من ألف صاروخ تضرب المطارات الحربيّة وأسراب الطائرات ووحدات السيطرة والتحكّم للرقابة الجويّة في هذه المطارات.
ما يتّضح جليّاً للكيان الإسرائيلي اليوم هو أن المعركة ستكون على كامل امتداد فلسطين المحتلّة، "من كريات شمونة إلى إيلات"، كما قال السيد نصرالله الذي تفوّق على الكيان نفسه بالحرب النفسيّة، وفق استطلاعات الرأي الإسرائيلية نفسها.
يقول الكاتب في صحيفة يديعوت أحرنوت، اليكس فيشمان أنّ "إسرائيل" لا يمكنها أن تنزل اليوم عن الشجرة، إذ حسب رأيه كل إبداء للضعف سيدحر مصالحها إلى الهوامش. ونحن نعتقد أنّها لم تنزل في يوم من الأيام عن "الشجرة الملعونة" إلا عندما تحدّثنا معها بلغة السلاح والمقاومة، ولعل تجارب أكثر من عقدين من المفاوضات خير دليل على ذلك. تجربّة "مُرّة" أفضت إلى أن يطالب محمود عباس بـ22% فقط من الأرضي المحتلّة دون أن يحصل عليها حتّى!
أصاب محلل الشؤون العسكرية هارئيل، كبد الحقيقة عندما قال أن " قدرات إسرائيل على المواجهة (مع حزب الله) تتقلص". هو نفسه الذي طالب بإعادة لبنان إلى القرون الوسطى، فهل يكتفي حزب الله بإعادة الكيان الإسرائيلي إلى العام 1948؟ أم أبعد من ذلك؟!