الوقت - ما تزال أصداء الرد الصاروخي للجيش السوري على الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية قرب مدينة تدمر، تتصاعد، لتُبرز واقعاً من الإصطفافات يحتاج لوقفةٍ تأملية، لما يعنيه ذلك على الصعيد الإقليمي والدولي. خصوصاً بعد ان تبيَّن أن نتائج الإستهداف لم تأت كما اشتهت القيادة الإسرائيلية. فكيف ظهر التخبُّط لدى القيادة الإسرائيلية؟ ولماذا تجد روسيا نفسها أقرب الى دمشق منه الى تل أبيب؟ وما هي المعادلات الجديدة التي جعلت تل أبيب تشعر بالحصار؟ وما هو الواقع الذي يُظهر نقاط الضعف الإسرائيلية؟
القيادة الإسرائيلية تعيش حالة من التخبط
من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين يُمكن استنتاج التالي:
أولاً: أكدت تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس، وقوع تل أبيب في مأزقٍ جدي، خصوصاً أن الكلام الإسرائيلي لم يكن منطقياً، وظهر وكأنه محاولة للتعويض عن الهزيمة، خصوصاً بعد التوعُّد بتدمير الطيران الإسرائيلي لأنظمة الدفاع الجوية السورية في حال أطلق الجيش السوري مرة أخرى صواريخه باتجاه الطائرات الإسرائيلية.
ثانياً: تماشى رئيس الوزراء الإسرائيلي مع تهديدات وزير حربه، الأمر الذي أثبت أن مخاوف الكيان الإسرائيلي اليوم باتت تكمن في ميزان الردع الجديد الذي أظهرته دمشق، والذي جاء خارج سياق الصراع السوري الإسرائيلي المعهود عسكرياً.
روسيا أقرب الى دمشق من تل أبيب؟!
عدة نقاط يمكن تبيانها فيما يخص سلوك روسيا المتعلق بمصالح الكيان الإسرائيلي:
أولاً: لا شك أن للطرف الروسي مصالح تتخطى حجم العديد من الأطراف في المنطقة ومنها الكيان الإسرائيلي. وهو ما أبدته الزيارة التي قام بها نتنياهو والتي لم تكن كما تمنت تل أبيب، حيث بقي الصراع بين محور المقاومة والكيان الإسرائيلي رهن معادلات الطرفين.
ثانياً: جاءت مسألة استدعاء الخارجية الروسية للسفير الإسرائيلي في موسكو، والتي يمكن اعتبارها المرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، كدليلٍ على شعور موسكو بالغضب. الأمر الذي أقلق تل أبيب خصوصاً بعد وضوح أن موسكو تعتبر مصالح دمشق خط أحمر.
تل أبيب تشعر بالحصار أمام معادلاتٍ جديدة!
من خلال تحليل الإصطفافات السياسية والعسكرية، وربطها بالجغرافيا السياسية يمكن الوصول للتالي:
أولاً: تعيش تل أبيب أزمة حصار يمتد حول كيانها. فالشمال بات تحت وطأة حزب الله والجيش السوري لبنانياً وسورياً. فيما استطاع حزب الله نسج معادلات ردعٍ استراتيجية، وضعت الداخل الإسرائيلي بأكمله تحت التهديد.
ثانياً: يُعتبر التهديد البحري الجديد والذي أعلنه حزب الله، أحد أهم مكامن الخطر التي بات يشعر بها الكيان الإسرائيلي. الأمر الذي زاد من مخاوف القيادة الإسرائيلية والتي أعطت الموازين البرية والجوية كل الإعتبار. فيما يمكن إضافة معادلات البحر اليوم.
ثالثاً: تُظهر حقيقة العلاقة بين أطراف محور المقاومة، أن الرد الصاروخي السوري لم يكن قرار القيادة في دمشق وحدها، بل كان قراراً لمحور المقاومة لم تكن موسكو بعيدة عنه. وهو ما يعني وقوف الطرف الإسرائيلي أمام خطة متكاملة بين هذه الأطراف كان الرد السوري بدايتها.
بعد الرد بأيام: كيف ظهرت نقاط الضعف الإسرائيلية؟
هناك عدة نقاط رئيسية يمكن استخلاصها من خلال قراءة ردود الفعل وتتعلق بالمأزق الإستراتيجي الذي وقعت فيه تل أبيب، نعرضها على الشكل التالي:
أولاً: صَنع الرد السوري تحولاً في مجريات الصراع، حيث يُعتبر ذلك مقدمة لإعادة خلط الأوراق وتغييراً في المعادلات العسكرية والإستراتيجية في المنطقة. فيما جاء الرد كإعلان واضح بأن أي عدوان مستقبلي سيواجه حتماً برد مشابه ومناسب.
ثانياً: يظهر جلياً أن سوريا الطرف الدولي العربي الوحيد في المنطقة الذي ما يزال يمضي في الصراع العربي الإسرائيلي. فيما نقلت الخطوة السورية بالرد، حالة الصراع الى مرحلة متقدمة يمكن من خلالها البناء بشكل حتمي على أن نتائج الأزمة السورية جعلت دمشق أقوى وبالتالي ينعكس ذلك على محور المقاومة ككل.
ثالثاً: تعيش القيادة العسكرية الإسرائيلية اليوم، حالة من الخوف والقلق، جراء هذه الجرأة العسكرية السورية التي تبدو محسوبة بعناية، وقادرة على أن تكون مقدمة لخطوات أخرى. فيما أصبح الطرف السوري شريكاً لحزب الله في حسابات الردع العسكري مع الكيان الإسرائيلي. وهو ما يجب البناء عليه أمام أي حماقة أو حرب قد تفكر بها تل أبيب.
رابعاً: نقلت الخطوة السورية دمشق، من موقع الطرف الذي يعيش تحت آثار الأزمة ونتائجها محلياً، الى طرفٍ فاعل على الصعيد الإقليمي. في وقت تعيش فيه العديد من الدول التي تآمرت على سوريا الأسد، تحت وطأة المشكلات المحلية والداخلية التي تمنعها الإهتمام بالسياسة الإقليمية والدولية.
إذن، خَلطت الخطوة السورية أوراق الصراع مع الكيان الإسرائيلي. فيما جاءت الخطوة الإسرائيلية لتُظهر حجم الضعف والوهن الذي تعيشه تل أبيب. ضعفٌ رسَّخته الخطوة السورية بأبعادها، والتي جعلت من الأطراف كافة في مرحلة إعادة خلط الأوراق. في وقتٍ يبدو فيه جلياً، أن أوراق الكيان الإسرائيلي محدودة جداَ.