الوقت - "ما حدث ليل الجمعة هو الأخطر منذ بدء الحرب في سوريا قبل ستة أعوام". هكذا خرج المحللون الإسرائيليون، ليصفوا ما قام به الجيش السوري. وفي نظرة سريعة للحدث، نجد أن دمشق استطاعت الإنتصار في جولةٍ من العدوان الإسرائيلي. حيث أفقدت تل أبيب أحد موازين الردع التي كان تلجأ لها، من خلال اعتبارها الأرض السورية مُستباحة. فكيف رد الجيش السوري على العدوان الإسرائيلي أمس؟ وكيف بررت تل أبيب؟ وما هي دلالات ذلك؟
الجيش السوري يرد والكيان الإسرائيلي يُبرر
خرج بيان القيادة العامة للجيش السوري ليُعلن أمس، أن قوات الدفاع الجوي أسقطت طائرة إسرائيلية بعد اختراقها للأجواء السورية من منطقة البريج عبر الأجواء اللبنانية. وأوضح البيان أن أربع طائرات للعدو الإسرائيلي أقدمت عند الساعة فجر الجمعة على اختراق المجال الجوي السوري. من جهته أعلن أنه أسقط صاروخاً من بين عدة صواريخ مضادة للطائرات، أُطلقت ضد طائراته التي كانت تقوم بمهمة فوق الأراضي السورية. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "بيتر ليرنر" إن أياً من الصواريخ التي أطلقها الجيش السوري ضد المقاتلات لم يبلغ هدفه، مؤكداً أن سلامة المدنيين الإسرائيليين أو طائرات القوات الجوية الإسرائيلية لم تكن في خطر في أي مرحلة.
وبعد ذلك بساعات، أعلن بنيامين نتنياهو هدف الغارة، مُشيراً الى أنها استهدفت أسلحة متطورة كانت ستُنقل إلى حزب الله اللبناني، مؤكداً أن هذا النوع من الضربات سيتواصل ولن يتوقف. وأضاف أن الكيان الإسرائيلي سيقوم بمنع أي محاولاتٍ لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله بمجرد تلقه معلومات من أجهزة استخبارات في هذا الصدد.
الجيش السوري يُحدد قواعد الإشتباك: الدلالات والتحليل
لا شك أن عدداً من الدلالات يمكن الخروج بها، كنتيجة للسلوك الإسرائيلي والرد السوري. وهو ما نُشير له في التالي:
أولاً: جاء قرار الرد نتيجة فهم عسكري مُسبق للجيش السوري، لنتائج الرد وحدود قدرة الجيش الإسرائيلي. وبالتالي فهو رسالة عسكرية بأن التصدي السوري للخروقات الإسرائيلية سيستمر، مما يعني إدراك الجيش السوري لحدود وقدرات الطرف الإسرائيلي في هذا التوقيت الحساس من الصراع، وجهوزيته للدفاع عن أرضه رغم انشغالاته الداخلية.
ثانياً: يُعتبر الرد السوري رسالة واضحة في توقيت حساس تؤكد للإسرائيلي أن محاولاته لتقييد التحالف الإستراتيجي بين سوريا وحزب الله وإيران، من خلال مد جسور التواصل مع موسكو، هي محاولات غير ناجحة ولن تُغيِّر من طبيعة نظرة محور المقاومة للعدو الإسرائيلي.
ثالثاً: أحدث الرد السوري نتيجة جديدة تتعلق بإفقاد تل أبيب عامل الردع الذي كانت بنته ضد الجيش السوري. وهو ما يغيِّر من معادلات الصراع الإسرائيلي السوري، بعد أن بنت القيادة العسكرية الإسرائيلية سلوكها تجاه دمشق على اعتبار استخدام الساحة السورية كأرض مباحة للعدوان وإيصال الرسائل للأطراف كافة وتحديداً حزب الله.
رابعاً: تميّز العمل الإسرائيلي هذه المرة عن سابقاته، حيث استهدف مواقع عسكرية في محيط مطار "تي 4" غرب مدينة تدمر، حيث يقع هذا الموقع في عمق الأراضي السورية ويُعد أحد أهم المواقع المستخدمة حالياً وتضم عديداً من القوات الروسية أيضاً.
خامساً: جاءت العملية الإسرائيلية بعد وقتٍ قصير من الزيارة غير الناجحة التي قام بها بنيامين نتنياهو الى موسكو، والتي أعرب في نهايتها عن أنه استطاع إيصال رسائل إلى روسيا دون الحصول على ضمانات. مما يعني وجود تجاذب إسرائيلي روسي حالي قد تكون الساحة السورية جزء منه، وهو ما يجب قراءته مع لحاظ الفارق في حجم الطرفين ومعادلاتهم.
إذن إستطاع الجيش السوري إيصال رسالته الى الطرف الإسرائيلي وبلغة النار. رسالة قرأها الطرف الإسرائيلي بأنها حادثٌ بالغ الخطورة. رسالة وضعت سوريا الأسد في قلب صناعة المعادلات الإقليمية وتغيير قواعد الإشتباك مع تل أبيب. فيما يقع الدماغ الإسرائيلي اليوم أمام تحدٍ جديد، يتعلق بكيفية تعويض موازين الردع التي أسقطتها خطوة الجيش السوري أمس.