الوقت - في حوارٍ أجراه موقع "الوقت" مع الباحث في العلاقات الدولية والمحلل السياسي الدكتور حسام مطر؛ تم التطرق إلى خفايا وكواليس تصعيد الخلاف التركي الأوروبي في الآونة الأخيرة والأسباب التي تقع وراء تكثيف الضغوطات الأوروبية على تركيا والموقف التركي القادم تجاه هذا الأمر و أيضا مشاركة الأكراد في عمليات تحرير الرقة وإليكم نص الحوار...
الوقت: ماهو سبب تكثيف الضغوطات الأوروبية على تركيا في الآونة الأخيرة خاصة بعد تصعيد الخلافات التركية والألمانية ومنع السلطات الهولندية هبوط طائرة وزير الخارجية التركي في مطارها؟
حسام مطر: هناك اعتقاد أوربي في السنوات الأخيرة وفي العام الأخير بالتحديد أنّ تركيا لم تراعي متطلبات الأمن القومي الأوروبي وتحديداً من خلال دورها في الأزمة السورية. كما فتحت حدودها لتهريب اللاجئين وإرسال دفعات من آلاف المهجرين عبر الأراضي التركية لأوروبا لابتزاز القرار الأوروبي. فهناك استياء عام من سياسة أوردغان في سوريا، وبالتحديد بالمسألة المرتبطة بداعش.
مع العلم أنّ أوروبا هي من أكثر الدول تأثراً بالأزمة السورية نتيجة القرب الجغرافي، وبناء عليه تُمَارس ضغوط متزايدة. خاصةً أنّ هذا التوتر بدأ مع حملة أردوغان في قمع الحريات داخل تركيا، سواء على مستوى الصحافة أو اعتقالات ومداهمة الأحزاب السياسية، وخاصة بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة. فالخلاف لايزال يتصاعد وهناك خشية من أن يحاول أردوغان من خلال المؤتمرات التي ينوي عقدها عن طريق حزبه في مجموعة من المدن الأوروبية للحشد للإستفتاء الشعبي في نيسان. كما أنّ الإعتقاد الأوروبي اليوم أنّ أردوغان يقوم ببناء نظام دكتاتوري، استبدادي ويحطم التجربة الديمقراطية في تركيا، لذلك لابدّ من إحتوائه والضغط عليه. كل هذه العوامل تؤدي إلى التصعيد والتوتر في العلاقات الأوروبية التركية.
الوقت: هل تعتبر أنّ تعديل الدستور التركي والتقارب الذي شهدناه بين روسيا وتركيا وموقف اردوغان تجاه الأكراد في شمال سوريا ساهم في تكثيف الضغط الأروبي على تركيا؟
حسام مطر: الذي ساهم بشكل أساسي بهذا الموضوع هو الهجمات التي حصلت في أوروبا وهناك اعتقاد واقتناع كامل داخل الإتحاد الأوروبي على الصعيد الشعبي أو السياسي أنّ السبب الأساسي في هذه الهجمات هو سياسة أردوغان الذي سهّل ودعم تنظيم داعش في سوريا والعراق من باب محاولة تعديل النظام الإقليمي. وبالتالي التوتر الأساسي كان بهذا الجانب ثم استُكمل بالتوازي مع موضوع القمع وتغليف النظام الدكتاتوري الجديد باسم نظام جمهوري. وأما بالنسبة للعلاقات مع روسيا فهناك قلق نسبي، ولكن باعتبار أن هذه العلاقة والتقارب بين البلدين لم يتحوّل إلى شراكة وتحالف. فهي لازالت تتأرجح مابين التنافس والتوتر ومابين التفاهمات والتوافقات. فهي تثير ريبة الأوروبيين وخاصةً أنّ الرئيس الأمريكي الجديد يبدو أقل إلتزاماً بالأمن الأوروبي. ولكنها لم تصبح بعد أمراً ضاغطاً بشكل وازن على القرار الأوروبي.
الوقت: كيف ترى مستقبل السلوك التركي بعد تكثيف الضغوطات الأوروبية على تركيا؟وهل يمكن أن تتراجع تركيا أمام الأوروبيين؟
حسام مطر: على مايبدو أنّ أردوغان فقد الأمل وليس لديه نية جدية وطموح بالدخول إلى الإتحاد الأوروبي ولايزال يحاول بسط نفوذه في المشرق العربي ووسط آسيا، وليس داخل الإتحاد الأوروبي. اليوم هناك أزمة إقتصادية في أوروبا وتركيا، لهذا يعتقد أردوغان أنّ أوروبا ليست قادرة على تأمين مايريده، ويعتقد أنه في حال تحسّنت علاقاته مع أمريكا في ظل إدارة ترامب واستمر في تقاربه مع روسيا سيصبح الأوروبيون في موقف أضعف وأصعب، وحينها سيكونون بحاجة إليه أكثر مما سبق. فهو يراهن على مجموعة تحولات في الموضوع الأمريكي والروسي بالإضافة إلى مايعتقده في أنه يؤدّي دوره في المشرق العربي ليكون في موقع تفاوضي أفضل تجاه الإتحاد الأوروبي والأوروبيين ليمارس هو بدوره ضغوطاً عليهم.
لكن هذا يعني أنّ الأوروبيين لايمتلكون حالياً الأدوات والقوة الكافية للتأثير على سياسة أردوغان والضغط عليه وبالتالي هو يدرك ذلك، فهو يقوم برفع السقف التفاوضي والخطاب باتجاه الأوروبيين. كما أنّ هذا السقف العالي تجاههم له علاقة وثيقة بالإستفتاء باعتبار أنّه يحاول تعبئة الشعور القومي لدى الأتراك للبعث على القول أنّ أردوغان هو الرمز والرئيس القوي لتركيا، وبيده حفظ الكرامة لهم. وهو الذي يخاطب الأوروبيين من موقع القوة بعد التجربة السيئة الحاضرة في الوجدان الشعبي لدى الأتراك بين سلطة العثمانيين والأوروبيين.
فيحاول استخدام هذا الهاجز وهذا الإحساس التاريخي بالذل أمام الأوروبيين. فهو يحاول شد العصب القومي التركي، وتعبئة القواعد الشعبية قبل الإستفتاء والإنتخابات. إذاً فهذه اللهجة المرتفعة من قبله لها توظيفات محلية ليحقق أرباح داخلية.
الوقت: كيف ترى السلوك التركي القادم حول مشاركة الأكراد في عمليات تحرير الرقة؟
حسام مطر: هذا الموضوع بالنسبة إلى الأتراك يُعتبر تحدي كبير، ولكن أيضاً في هذا المجال يبدو أنّ أردوغان لايمتلك القوة لمنع هذا الأمر بمعنى أنّ هناك قرار أمريكي – روسي وأنّ أردوغان قد رضخ له فهما وبتوافق ضمني مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سمحوا له أن يكون له هذا الجيب حتى مدينة الباب وهي حدوده الميدانية في الشمال السوري لمنع إقامة وحدة كردية على الحدود، وهو السقف الذي منح لأردوغان. وخارج هذا السياق لايمتلك أي أوراق قوة ولاقدرة الفيتو على مشاركة الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية في عمليات تحرير الرقة التي لن يكون لتركيا ولا درع الفرات أي تأثير أو يد فيها وهو فهم أنه لايمكنه الذهاب أو الدخول لمنبج. لهذا فهو مرغم على الإقرار بهذه التوازنات، وبظل القرار الأمريكي والروسي على إنجاز معركة الرقة. فلن يسمحوا لأردوغان بتعطيل هذا الأمر أو مهاجمة الأكراد بغية تعطيل هذا المسار.
إعداد: عبد السلام تقي