الوقت - تحظى زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى روسيا بأهمية خاصة، لما تحمله من أهداف ودلالات يمكن إجمالها على النحو التالي:
- لتزامنها مع التطورات الميدانية المهمة التي تشهدها الساحة السورية خصوصاً في ما يتعلق بمدنيتي منبج والرقة. حيث تؤكد أنقرة على ضرورة عدم مشاركة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية الكردية في عمليات تحرير هاتين المدينتين من الجماعات الإرهابية لاعتقادها بأن حزب الاتحاد يمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا. وهذا الأمر يتعارض مع رغبة واشنطن باشراك هذه القوات في تلك العمليات.
وعلى الرغم من أن جدول زيارة أردوغان المعلن إلى موسكو ولقائه المرتقب مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" يركز على ملف الأزمة السورية، ومناقشة مستقبل القوات التركية داخل الأراضي السورية، إلا أن خبراء روس يتحدثون عن صفقات سلاح غير مسبوقة قد تغضب حلفاء أنقرة الغربيين، حيث من المقرر أن تعقد أنقرة صفقة لشراء منظومة صواريخ "اس 400" الروسية. وهذا الأمر يتعارض مع كون تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، في حين يرى المراقبون بأن هدف تركيا من وراء عقد هذه الصفقة هو الضغط على الناتو الذي يرفض إبقاء منظومة صواريخ "باتريوت" على الأراضي التركية. ومن شأن إقدام تركيا على خطوة كهذه، إشعال غضب الناتو، على غرار اعتراض الأخير على صفقة سابقة لتزويد تركيا بأسلحة صينية في عام 2013.. ويبدو أن محاولات تغيير هيكلية منظومة الدفاع التركية، عبر الخروج من عباءة الناتو، والتوجه شرقاً، لا ينال رضا "الناتو".
- الملف الاقتصادي الذي توليه أنقرة أهمية استثنائية خصوصاً بعد انحسار عدد السوّاح الروس الوافدين إلى تركيا والذين يصل عددهم إلى نحو 5 ملايين سائح سنوياً، وذلك بسبب أزمة إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل تركيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وقرار الحظر الاقتصادي الذي فرضته موسكو على البضائع التركية بعد هذا الحادث. وتجدر الإشارة إلى أن عائدات القطاع السياحي في تركيا كانت تمثل تقريباً نصف العائد الإجمالي للبلد في عام 2015.
ويبدو أن الموقف الحرج الذي وجدت الحكومة التركية نفسها متورطة فيه، عقب العقوبات الروسية الصارمة، والقطيعة التي عانت منها من قبل حلفاء موسكو، على خلفية إسقاط تركيا لمقاتلة روسية، دفع بأنقرة إلى السعي لطي صفحة الخلاف مع موسكو، والاتجاه شرقاً لتعزيز علاقاتها مع القوى الصاعدة. وكثف أردوغان خلال الشهور الأخيرة، لقاءاته مع قادة دول مجموعة "البريكس" ما فسره محللون على أنه يعكس توجهاً جديداً لتركيا.
في هذا السياق قال المكتب الصحفي للكرملين الثلاثاء 7 مارس/آذار إن الرئيسين الروسي والتركي سيبحثان خلال لقائهما المرتقب مشروع إنشاء محطة "أكويو الكهروذرية" في تركيا، وبناء خط أنابيب لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود "السيل التركي".
وتأجل مشروع الغاز "السيل التركي" منذ توقيع مذكرة تفاهم بشأن تنفيذه في 1 ديسمبر/كانون الأول 2014، على خلفية تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة بسبب إسقاط قاذفة السوخوي الروسية، لكن بعد تطبيع العلاقات بين البلدين في منتصف العام الماضي، اتفق الرئيسان الروسي والتركي على إعطاء أولوية للمشروع. ووقعت موسكو وأنقرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على اتفاق بشأن تنفيذ المشروع الذي يتضمن مد أنبوبين عبر قاع البحر الأسود من روسيا إلى تركيا بسعة إجمالية تصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
- الملف الأمني؛ حيث تزايدت الهواجس التركية بشأن الوضع الأمني خصوصاً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها البلاد في منتصف تموز/يوليو 2016 والهجمات الإرهابية المتكررة في العديد من المدن التركية خلال الأشهر الأخيرة والتي راح ضحيتها الكثير من الأشخاص بين قتيل وجريح.
- تسعى تركيا لإقامة منطقة عازلة بين حدودها الجنوبية والحدود السورية ومنع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية الكردية من تشكيل منطقة حكم ذاتي في شمال وشمال شرق سوريا لخشيتها من مطالبة أكراد تركيا بإقامة منطقة مماثلة في جنوب وجنوب شرق البلاد. وتعتقد أنقرة بأن موسكو قادرة على لعب دور أساسي في هذين المجالين.
ولكل من روسيا وتركيا تواجد عسكري في سوريا، وبدأ البلدان منذ يناير/ كانون الثاني الماضي تنفيذ عمليات مشتركة ضد مسلحي "داعش". وتولي موسكو أهمية للدور التركي في حل الأزمة السورية لوجود تأثير تركي على المعارضة السورية المسلحة.
وشهدت منبج في الأيام الماضية تعقداً للموقف بعد اتفاق مجلس منبج العسكري مع روسيا على تسليم بعض القرى للقوات السورية، ووقوع اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية وما يسمى "الجيش السوري الحر" في مدينة الباب، ثم إرسال أمريكا قوات إلى هذه المنطقة.
ويعتقد خبراء روس بأن شهر العسل الروسي التركي الحالي من غير الممكن أن يتحول إلى تحالف فعلي، في حين يؤكد مراقبون على أن رغبة روسيا الحقيقية ليست شهر عسل مع تركيا، بل في إفساد شهر العسل للنظام الأمني الغربي الذي تقوده أمريكا في عموم المنطقة.