الوقت- مؤتمر عقدته القاهرة في اكتوبر 2014 من العام الماضي، عنوانه "مؤتمر إعادة إعمار غزة". جمع موفدين عن 50 بلداً، الى جانب 30 وزير خارجية دولة، وحضره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية الأمریكي جون كيري، وممثلو عدة هيئات إغاثية ومنظمات دولية، من بينها صندوق النقد وجامعة الدول العربية. لكن المؤتمر الذي خرج بتخصيص ما يقارب 5.4 مليار دولار لدعم الشعب الفلسطيني وإعادة الإعمار، لم تصل وعوده الى مرحلة التطبيق. في الوقت الذي أدت فيه الحرب الأخيرة على قطاع غزة إلى استشهاد أكثر من 2100 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وتدمير 80 ألف منزل فلسطيني كلياً أو جزئياً، والكثير من مرافق البنى التحية. فماذا في آخر دعوات المنظمات غير الحكومية للغرب والدول العربية، لتطبيق الوعود التي خرجت بها في المؤتمر؟ وما هي القراءة التحليلية لسياسة الوعود التي لم تتحقق؟
أولاً: الدعوات المطالبة
دعت مجموعة منظمات غير حكومية المجتمع الدولي الى احترام تعهداته وتسريع إعادة بناء قطاع غزة، وذلك بعد ستة أشهر على مؤتمر القاهرة الذي وعد بتقديم اكثر من خمسة مليارات دولار للفلسطينيين. ومن بين هذه المنظمات، منظمة أطباء العالم ومنظمة الطوارىء الأولى والمنظمة الدولية للإعاقة ومنظمات فرنسية واللجنة الكاثوليكية لمكافحة الجوع وتحقيق التنمية .
وشدد اتحاد وكالات التنمية الدولية، وهو ائتلاف دولي لهذه المنظمات، على "وجوب ان يحترم المانحون التعهدات" التي التزموا بها، مضيفاً "ان التمويل والدعم التقني يجب أن يتوافرا على الفور للسماح للسكان بشراء اللوازم الضرورية والاستعانة باليد العاملة المطلوبة لإصلاح مساكنهم". كما وقالت المنظمات غير الحكومية ان "حرية تنقل السلع يجب أن يكون أولوية وشرطاً مسبقاً، لتلبية الحاجات الإنسانية وضمان إعادة تأهيل وتنمية اقتصادية مستدامة". واشارت الى ان 26,8% فقط من الاموال المخصصة لإعادة الإعمار تم تحريكها "وبالرغم من تمويل بعض مشاريع إعادة الإعمار في غزة فإنها لم تبدأ بعد بسبب الحصار (الاسرائيلي المفروض) على قطاع غزة".
من جهتها ترى السلطة الفلسطينية وجزء من المجتمع الدولي، أن الآليات المتفق عليها تحت رعاية الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة المحاصرة تزيد فقط من قسوة القيود الإسرائيلية على القطاع على الرغم من تعهد المجتمع الدولي بتقديم أكثر من أربعة مليارات يورو لمساعدة غزة، فإن الاتحاد الأوروبي وحده تعهد بتقديم أربعمائة وخمسين مليون يورو للعام المقبل.
ثانياً: قراءة تحليلية للدلالات
لقد أصبح من السهل على الدول العربية كما الغربية، أن تعقد مؤتمرات الدعم للشعوب. وهذا ما يمكن إطلاقه على السياسة الترويجية التي يقوم بها رعاة السياسات الأمريكية في العالم. فأمريكا لم ولن تقوم بأي عملٍ يمكن أن يؤثر على الكيان الصهيوني ولو معنوياً. لذلك فليس هناك داعٍ للاستغراب فيما يتعلق بتأخر المساعدات الدولية لقطاع غزة. ولعل منظمة "أوكسفام" أعلنت بعد انتهاء المؤتمر مباشرةً، أن "القسم الأكبر من التمويل الموعود خلال المؤتمر، سيبقى محتجزاً في حسابات مصرفية لعشرات السنين، قبل أن يصبح لها تأثير مفيد على ظروف حياة السكان".
إن هذا التصريح ليس للشهادة على ما نقول فالتجربة خير برهان، وإنما لتسليط الضوء على كلام إحدی المؤسسات الإنسانية العالمية، والتي قالت بصراحةٍ حقيقة الأمور حينها. لكن الأمر المستغرب هو أن الدول العربية بالتحديد، أصبحت تستخدم النفاق السياسي وبالعلن. ففي الوقت الذي ينتظر فيه الشعب الفلسطيني فصل الشتاء المقبل باحثاً عن مأوى له، لم تتحرك أي دولةٍ عربية لتحتضن بعضاً من آلام الشعب الذي أصبح لاجئاً حتى في أرضه. ولعل الإشارة الى النقاط التالية مهم في هذا المجال:
عقدت مصر منذ شهر ونصف تقريباً مؤتمر شرم الشيخ، وهو المؤتمر الذي أنفقت فيه السعودية ودول الخليج الفارسي والدول العربية أموالاً طائلة، في سبيل مشاريع مالية خاصة تعود بأرباحها لملوك وأمراء وحكام الدول العربية. ألم يكن الأجدر بهذه الدول أن تنظر لمأساة الشعب الفلسطيني؟
قامت السعودية وخلفها دول مجلس التعاون وبعض الدول العربية، بتمويل العدوان الغاشم على اليمن. وسمعنا السعودية تضع موازنة خاصة لتعويضات الحرب، وتحاول من خلالها إقناع الأطراف كافة وبالمال الخليجي من أجل دخول الحرب. ألم يكن من الأولى وضع موازنةٍ لإيواء الشعب الفلسطيني المهجر في بلده؟
إن المراقب للأحداث لا يستطيع إلا أن يربط بين وجهة المال الخليجي الذي أُنفق لقتل وإقصاء الشعب اليمني، وهي نفس الوجهة التي يصرف فيها الكيان الصهيوني موازناته. وهنا يأتي السؤال التالي: لماذا العتب على الأنظمة العربية، إن كان مالهم لتأمين استمرارية الكيان الصهيوني، وإقصاء الشعوب والقضايا العربية؟