الوقت - بعد وقوف السودان إلى جانب السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن منذ نحو عامين، وقطعه للعلاقات الدبلوماسية مع إيران تضامناً مع الرياض إثر الهجوم على سفارتها في طهران مطلع عام 2016، اعتقد البعض بأن هذه المواقف نابعة من رؤية موضوعية ومبدئية، في حين يؤكد الكثير من المراقبين بأنها نابعة عن رؤية نفعية وبراغماتية لتحقيق مكاسب اقتصادية.
وفي الحقيقة بدأ التغيير في مواقف السودان تجاه إيران منذ أواخر عام 2014 عندما أقدم على إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم استجابة لضغوط السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون بدعوى منع انتشار التشيّع في السودان.
مكانة السودان في السياسة الخارجية السعودية
أولت السعودية اهتماماً خاصاً بالسودان قبل وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة في كانون الثاني/يناير 2015، لاسيّما في الجانبين الاقتصادي والثقافي بهدف توسيع نفوذها من خلال نشر الفكر الوهابي وتنفيذ مشاريع استثمارية في هذا البلد خصوصاً في المجال الزراعي وقطاع الطاقة.
وفي بداية تسعينات القرن الماضي أنشأت السعودية جامعة في الخرطوم لتخريج مبلغين للفكر الوهابي في عموم القارة الأفريقية. ويعتقد الكثير من المراقبين بأن الرياض هي التي أنشأت أيضاً الجماعة السلفية التي تطلق على نفسها اسم "أنصار السنة المحمدیة" في السودان لنفس الغرض. وبسبب دعم السودان لنظام صدام في غزوه للكويت عام 1990 أوقفت السعودية مساعداتها المادية للخرطوم لكنها استأنفتها في بداية الألفية الثالثة.
في هذا الإطار ذكرت مصادر سودانية أن السعودية وعدت الخرطوم بضخ استثمارات ضخمة في القطاع الزراعي السوداني، وأشارت هذه المصادر إلى أن الرياض قدمت أيضاً مساعدات مالية للخرطوم بقيمة 4 مليارات دولار، والتي ساهمت في استقرار الجنيه السوداني الذي واجه هبوطاً حاداً بعد انفصال جنوب السودان وخسارة الخرطوم لـ75 % من دخلها بالعملة الصعبة.
وتعتبر السودان من الدول الخصبة والوفيرة المياه في العالم العربي لمرور نهر النيل في أراضيها، ولهذا تعد من مصادر تأمين المواد الغذائية والمنتجات الحيوانية للسعودية التي تعد ثاني شريك تجاري للسودان بعد الصين في الوقت الحاضر. في مقابل ذلك هناك أكثر من ثلاثة ملايين سوداني يتواجدون في السعودية كأيدي عاملة في مختلف المجالات.
ومن الطبيعي أن تتأثر العلاقات السياسية بين الخرطوم والرياض بالوضع الاقتصادي القائم بين الجانبين، لاسيّما بعد أزمة دارفور وانفصال جنوب السودان عام 2011 والذي تسبب بخسارة الخرطوم لنحو 75 بالمئة من وارداتها النفطية.
وتسعى السعودية لضرب طوق من العزلة الاقتصادية والسياسية والعسكرية على إيران من خلال نفوذها وتأثيرها على السودان لتحقيق عدّة أهداف يمكن إجمالها بما يلي:
- مواجهة نفوذ إيران في البحر الأحمر من خلال الضغط على السودان لمنعها من وضع موانئها باختيار السفن الإيرانية بهدف مطاردة القراصنة في هذه المنطقة.
- الضغط على السودان لمنعها من شراء منظومات صواريخ إيرانية للدفاع عن أجوائها وأراضيها خصوصاً بعد تعرض مجمع اليرموك للصناعات العسكرية جنوب الخرطوم لضربات جوية من قبل الطائرات الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر عام 2012.
- الضغط على الخرطوم لتوظيف قضية "سد النهضة" على مياه نهر النيل قرب الحدود الإثيوبية - السودانية لغرض ابتزاز مصر ودفعها إلى تغيير مواقفها المعارضة لمواقف الرياض، لاسيّما في ما يتعلق بالأزمتين السورية واليمنية.
- الاستفادة من السودان لتحقيق أهداف سياسية في ليبيا من خلال الجماعات الموالية للخرطوم في هذا البلد.
- الضغط على السودان لمنع وصول السلاح إلى الجيش اليمني الذي يتصدى للعدوان السعودي المتواصل على بلاده منذ نحو عامين.
- استغلال حاجة السودان للدعم المالي لإرغامه على تغيير سياساته بما يخدم مصالح الرياض في المنطقة خصوصاً فيما يرتبط بعلاقاتها مع طهران.
- استغلال حاجة السودان للخروج من لائحة الدول الداعمة للإرهاب والتخلص من الحظر المفروض عليه لإرغامه على التحالف مع الرياض في مواجهة طهران والاستمرار في الوقوف إلى جانب السعودية في عدوانها على اليمن.
- الإساءة لسمعة الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال الزعم بأن سفارتها في الخرطوم كانت تسعى إلى إرباك الأوضاع الأمنية في هذا البلد من خلال نشر التشيع.
أخيراً يمكن القول بأن التقارب "السعودي - السوداني" يكشف بعداً إقليمياً لسياسة الرياض الخارجية التي تواصلت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز. ويرى المراقبون بأن الضغوط الاقتصادية التي يواجهها السودان في ظل العقوبات الأمريكية وفقدان واردات النفط بسبب انفصال الجنوب عام 2011 هي التي دفعت حكومة الخرطوم إلى إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية والتقرب من الرياض في مقابل الابتعاد عن طهران.