الوقت - دعا نشطاء ومعارضون سودانيون منذ أيام إلى إضراب مدني في البلاد، بهدف الضغط على النظام السياسي الذي يقوده عمر البشير منذ 27 عاما تقريباً. في ظل سخطٍ شعبي لما آلت له الأوضاع، حيث أعلن السودان خفض الإنفاق الحكومي، واتخاذ إجراءات تقشفية تضمنت خفض دعم الوقود والكهرباء، بالإضافة إلى فرض قيود على بعض الواردات.
يعيش السودان اليوم واقعاً صعباً، بعيداً عن أي اهتمام إقليمي، خصوصاً من الدول الخليجية التي فرضت على الخرطوم الرضوخ للسياسة السعودية، ولوَّحت بالعقوبات الإقتصادية. فيما نجد اليوم أن السودان الذي انصاع لسياسة البترودولار، وانعطف فجأةً نحو الرياض، يقبع وحيداً في أزمته، في ظل أزماتٍ تعيشها الدول الخليجية نفسها. فكيف امتهنت السعودية سياسة البترودولار لبسط نفوذها؟ وكيف ترجمتها في أفريقيا؟ ولماذا كان السودان الضحية الأبرز؟
السعودية وسوق النفط وسياسية البترودولار في بسط النفوذ
هيمنت عقلية الإعتماد على سياسة البترودولار على هيكلة المؤسسات السياسية والدينية الأساسية في السعودية، كدولةٍ قدَّمت نفسها ولفترة من الزمن، عرَّابة السياسات في المنطقة العربية والإسلامية. حيث سمحت المليارات التي تمتلكها الرياض، بأن تتدخل وتتحكم في سياسات الدول، مما جعل نفوذها الإقليمي رهن قدرتها المالية. وهو ما بات اليوم سبب ضعفها في تحقيق أهدافها.
في حديثه لمجلة "غلوبال ليست"، أكد "نيك باتلر"، أن السعودية التي فقدت قدرتها على السيطرة والتحكم بسوق النفط العالمي، ستفقد قدرتها على التأثير السياسي. بل سيُغرقها تراجع دورها النفطي بحسب رأيه، في أزماتٍ داخلية ستقوِّض من قدرتها على التأثير في السياسة الدولية. وبالتالي، فهي لن تستطيع المضي قُدماً في القيام بدورها عبر تمويل الحروب بالوكالة، لا سيما في اليمن، سوريا، ليبيا، العراق، مصر والبحرين. كما لن تستطيع الإيفاء بوعودها تجاه دولٍ نامية ظنَّت أنها ستجد في ارتمائها بحضن الرياض ملاذاً آمناً لها، وقدرة على النهوض، كالسودان وإثيوبيا وتنزانيا وجيبوتي وغيرها من دول أفريقيا.
كيف ترجمت السعودية سياسة البترودولار في أفريقيا؟
لا شك أن الرياض سعت لتحقيق أهدافها السياسية في أفريقيا، لا سيما في السودان، أثيوبيا، تنزانيا وجيبوتي، حيث استخدمت سياسة البترودولار. ومن أهم الأهداف التي سعت لتحقيقها هي:
أولاً: هدفت الرياض لتعزيز نفوذها وقدراتها اللوجستية الإستراتيجية في القرن الإفريقي، لضمان تأثيرها في معادلات مضيق باب المندب والممرات الرئيسية للبحر الأحمر، وهو ما جعلها تسعى لإخضاع دول جيبوتي وإريتريا والسودان وتنزانيا وإثيوبيا واليمن.
ثانياً: استغلت السعودية الطاقات والخبرات والقدرات الموجودة في دول مثل مصر والسودان، لإنشاء جيش عربي تحت قيادتها. وهو ما فشل لأسباب عديدة.
ترجمت السعودية سياسة البترودولار لخدمة هذه الأهداف من خلال:
أولاً: قامت بنشر الفكر الوهابي في القارة الإفريقية بهدف تحويل ما يُسمى بالإسلام الصوفي المعتدل الى إسلام وهابي متطرف. وهو ما ساهم في تغيير الأيديولوجيا الفكرية نحو مزيد من العنف! كل ذلك عبر تمويل جماعات متطرفة وإقامة مساجد وجمعيات لدعمها، وجعلها واقعاً لدى هذه الدول.
ثانياً: عملت على بسط النفوذ السعودي، من بوابة الأعمال الإنسانية. فقامت بإنشاء جمعيات خيرية وريعية في هذه الدول، من أجل كسب مكانة إجتماعية. وجعلت من تقديم الخدمات الإجتماعية ومساعدة الفقراء أداة للجذب والإستقطاب السياسي لها.
ثالثاً: قامت الرياض بإنتهاج سياسة الهبات المالية والحوافز التشجيعية. حيث قدمت الكثير من الحوافز المالية عبر المشاركة بالإستثمارات وذلك بهدف بناء أرضية تُساهم في تعزيز التبعية لها. مما أدى لنتائج كبيرة على صعيد التأثير في سياسات هذه الدول لا سيما الخارجية وجعلهم تحت العباءة السعودية.
السودان ضحية البترودولار السعودي: من عاصفة الحزم بالأمس حتى الأزمات الداخلية اليوم
لأسباب عديدة كانت السودان تحت العين السعودية، أشرنا فيما سبق لبعضها. لكن لا بد من التأكيد على أن ما تمتلكه السودان من موارد، بالإضافة الى موقعها، جعلها هدفاً سعودياً. فكيف أجبرت السعودية السودان، للرضوخ لها؟
ذهبت الدول الخليجية إلى التلويح للنظام السوداني بعقوبات اقتصادية جراء الإنفتاح الكبير الذي قامت به السودان نحو إيران. مما جعل الخرطوم ترضخ لواقعها الإقتصادي الضعيف، وتجد نفسها مضطرة للترحيب بالسياسة السعودية، خصوصاً أمام وضعها الإقتصادي الداخلي، والذي تزامن مع أزمات سياسية كبيرة وتقَاتُل داخلي. فيما كان الإغراء السعودي الخليجي، فتح منافذ خاصة للسودان في سوق العمليات المصرفية مع الدول الخليجية.
أصدرت السودان حينها، قراراً تزامن مع انطلاق العدوان السعودي على اليمن، وصرّح الجيش في بيانه أن مشاركة السودان في عمليات عاصفة الحزم تأتي من منطلق المسؤولية الإسلامية لحماية أرض الحرمين الشريفين، والدين والعقيدة، معلناً مشاركة السودان بقوة ومنعة وعزة في هذه العمليات، بهدف أن تبقى السعودية آمنة مستقرة!
لم يُدرك السودانيون حينها أن هدف الرياض كان تأمين عديدٍ عسكريٍ لحربها، بكلفة منخفضة. لكن الأمور سارت وفق ذلك. واليوم تعيش السودان أزماتٍ داخلية تتخطى قدرة الخرطوم على علاجها. فيما تغرق الرياض بأزماتها الخاصة، وليس بإستطاعتها أن تُنقذ نفسها حتى يكون بمقدورها إنقاذ السودان. لنقول أن سياسة البترودولار انتهت الى غير رجعة مُخلَّفةً ضحايا يعتبر السودان نموذجاً لها!