الوقت- "من الأفضل أن يموت الجنود المصريون في ميادين القتال بإثيوبيا على أن يموتوا من العطش في بلادهم"، كلمةٌ شهيرةٌ قالها الرئيس المصري الراحل أنور السادات قبل أكثر من 45 عاماً، أسست منذ ذلك الحين محور التحرك المصري على المستوى الأقليمي والافريقي منه على وجه الخصوص، وألقت بظلالها بشكل كبير على قضية سد النهضة الأثيوبي، الذي اصبح على مايبدو مكسر عصا لأعداء مصر ولكل من أراد أن يناكفها أو أن يزعجها في عقر دارها وفي فنائها الخلفي.
ويوما بعد يوم يتعقد موقف القاهرة بعد تحول السد الجديد الذي تقيمه أثيوبيا على نهر النيل (سد النهضة) إلى نقطة محورية مثيرة للتطورات الإقليمية، و استخدام عدد من الأطراف الأقليمية لقضية بناء سد النهضة كورقة ضغط على مصر ومحاولة مصادرة سيادتها وقراراتها، والاستفادة من القضية لحث مصر على الانخراط في محاور أو ترك أخرى أو حتى منعها من التعبير عن رأيها في المحافل الدولية.
الأزمة الناجمة عن بناء سد النهضة وما سيخلفه اكتمال البناء وحبس المياه من كارثة على مصر، ليست بالأمر الجديد، فلطالما اعتبرت أديس ابابا أن لديها الحق في استغلال مياه نهر النيل واعتبرت أن نهر النيل القضية الاستراتيجية الأهم لها، ومن حقها استغلال النهر بالطريقة التي تشاء وتراها مناسبة باعتبارها لاتعترف باتفاقية تقسيم الحصص المائي بين دول المنبع ودول المصب (مصر والسودان).
وتتخوف القاهرة من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه النيل الذي يجرى من الجنوب الى الشمال (55.5 مليار متر مكعب)، بينما يؤكد الجانب الإثيوبي أن السد مهم للبلد في مجال توليد الطاقة وأنه لن يضر السودان ومصر، لكن القاهرة تدرك جيدا ًأن سد النهضة الذي سيكون واحدا من سلسلة سدود أخرى تقام على روافد النيل الأزرق الذي يغذي اكثر من 80 بالمئة من مياه النيل، سيفقد مصر بين 11 إلى 19 مليار متر مكعب سنويا، ما سيؤدي أيضا إلى تقليص إنتاج الكهرباء بنحو 25- 40%..
فتحولت قضية السد الأثيوبي الى قضية جيوسياسية أساسية والقضية الأولى التي تحتل المنابر واجتماعات القارة الأفريقية، حيث تؤكد الأبحاث المتعلقة بالسد أن أثيوبيا ستكمل بناء سد النهضة عام 2017، سوف تستطيع من ذلك الوقت تخزين المزيد من مياه النيل مما سيزيد من نقص المياه في مصر والتي تعاني أصلاً من المشكلة، وخاصة مع تبخر مياه النهر بمعدل تتزايد سرعته عام بعد آخر، لم يعد يكفي كمية المياه المطلوبة لسد أسوان. ورغم الزيادة السكانية، تقلصت الأراضي الزراعية في مصر.
المخاوف المصرية من السد عززتها مصادقة البرلمان الإثيوبي في 2013 على اتفاقية تقلص حقوق المصريين في استخدام مياه النيل، ومن ثم قيام أديس أبابا بتوقيع عدة اتفاقيات مع أربع دول أخرى في إفريقيا، معتبرة في الوقت ذاته أن أي اعتراض مصري على السد مجرد أحلام يقظة لن تقدم ولن تؤخر.
كذلك دفعت المخاوف المصرية من إقامة السد الأثيوبي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للاقتراب أكثر من روسيا وتوطيد التعاون معها عساها تساعد في حل القضية، أو على الأقل الطمع في مساعدة موسكو في بناء المفاعل النووي الجديد الذي وقعت مصر اتفاقية تنفيذه مع الهجمات الروسية والذي وصف بـ"المشروع القومي العملاق" وهو ما سيعوض الطاقة المستخلصة من السد العالي والتي هي على وشك الانخفاض في أعقاب بناء السد الجديد.
الكيان الاسرائيلي أيضاً لم يكن غائباً للحظة عن قضية سد النهضة، في ظل مساعيه الدائمة لازعاج القاهرة واللعب في فنائها الخلفي، فالنفوذ الاسرئيلى داخل القارة السمراء له إستراتيجية ممنهجة طويلة الأمد، ولم تكن وليدة اللحظة، وزيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عدة دول أفريقية وما شكلته من تهديد للأمن القومي المصري خير دليل على ذلك، وهو ما دفع وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى زيارة إسرائيل بعدها مباشرة.
كذلك كشفت تقارير اعلامية سابقة أن إثيوبيا تلقت أكثر من مرة عروضا من "دول في منطقة الشرق الأوسط لتمويل بناء سد النهضة وبلغ أحد هذه العروض وحده 44 مليارات دولار بشروط ميسرة.
قضية سد النهضة، عادت الى الأضواء من جديد بعد الأخبار التي أكدت زيارة أحمد الخطيب مستشار ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الى أثيوبيا ولقائه الرئيس الأثيوبي وزيارته أيضاً لموقع إنشاء السد الذي يشكل نقطة خلاف جهوري بين أثيوبيا ومصر، وتوعده (أي المسؤول السعودي) بدعم أثيوبيا اقتصادياً، وزيادة الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة من خلال مشروع سد النهضة، وذلك بعد أقل من أسبوع على زيارة وزير الزراعة عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي لأديس أبابا، حاملا أيضا عروضا بالتعاون الاستثماري في المجالات الزراعية، في خطوة اعتبرها المراقبون هجمة سعودية على مصر بسبب التقارب المصري مع سورية وايران، وموقف القاهرة من العدوان السعودي على اليمن، حيث استغلت الرياض قلق مصر حكومةً وشعباً من تأثيرات سد النهضة على الحصة المائية لبلادهم.