الوقت- كثرة الأنباء عن قرار جديد لدولة قطر ببناء سفارة لها في فلسطين المحتلّة، لكن اللافت في هذا المشروع، الذي أراد البعض وضعه في سياق الدعم القطري لفلسطين، أن مقّر السفارة سيكون في قطاع غزّة، وليس في القدس، عاصمة فلسطين.
لا يختلف اثنان على دعم قطر لفسلطين عبر بناء العديد من الأبنية التي هدّمتها السلطات الإسرائيلية في الحروب الماضيّة، وهو ما فعلته سابقاً في لبنان إبان حرب تموز عام 2006، إلاّ أن ما هو مؤكد أن هذا الدعم، وتحديداً بناء سفارة قطرية على شارع الرشيد الساحلي، حيث تبلغ مساحة أرض المشروع حوالي 5 آلاف متر مربع، وتشمل مبنى السفارة ومبنى خاص بسكن السفير، لا يخدم القضيّة الفلسطينية، بل على العكس تماماً، لأسباب عدّة نذكر بعضها:
أوّلاً: إن كلام قطر يأتي تتويجاً لحديث سابق صدر عن عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، عن إمكانية تطبيق الكونفدرالية بين غزة والضفة. أي أن قطر تسعى لتعميق الانقسام عبر هذه الخطوة التي تسعى لتكريس دولة فلسطينية في غزّة. وهنا نسأل: أليس الكيان الإسرائيلي من أبرز المستفيدين من هذا الانقسام، ربّما يجيب أحدهم أن الانقسام قائم بذاته سواء حصل المشروعع القطري أم لم يحصل، ولكن هل يحق لنا وضع الزيت على النار؟ ألا تعد هذه الخطوة دعماً لأي مشروع إسرائيلي مرتقب لعزة خاصّة أن الجيش الإسرائيلي قد وافق على بناء جدار عازل على حدود القطاع؟
ثانياً: نعم، إن الشعب الفلسطيني اليوم بأمس الحاجة لرفع أوضاعه المعيشية عبر إعادة إعمار غزّة، إلا أن ما غاب عن قطر، أو ما لا تريد مراعاته، أن كل هذه الأبنية التي دُمّرت والدماء التي سالت هدفت لحفظ القضيّة الفلسطينية التي تدمّرها قطر عبر خطوتها هذه. يبدو أن هناك توجهاً قطرياً للفصل بين الضفة المحتلة والقطاع وعرقلة أية جهود لاستعادة الوحدة بين الفرقاء الفلسطينيين، وإنهاءء الانقسام القائم.
ثالثاً: اللافت، أن هذا الإعلان يأتي قبل فترة وجيزة على محادثات السلام في فرنسا التي تعقد مؤتمر في 15 يناير المقبل بمشاركة 70 دولة في مسعى لإحياء جهود السلام المتعثرة، فضلاً عن الحديث عن نيّة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، فما تفعله أمريكا خارجياً، تسعى قطر لإنجازه على الصعيد الداخلي حيث يعدّ مشروعها تشجيعاً للإدارةة الأمريكية الجديدة على نقل سفارتها إلى القدس، وبالتالي لا نستبعد طرح مشروع دولة فلسطينية في غزّة في مؤتمر فرنسا المرتقب. إن القرار القطري بمثابة رسالة للمجتمع الدولي، عنوانها أن قطاع غزة هو المكان الطبيعي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية.
رابعاً: إن هذه الخطوة تؤكد أن قطر قد أيقنت عدم قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وأن عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون مدينة غزة شمالي القطاع، فهل "اسرائيل" هي من أعلمتها بذلك؟ وهل المشروع جاء بناءً على طلب إسرائيلي، أم أن قطر التي تزوّد الجماعات الإرهابية بالسلاح والأموال بحثاً عن الطموح، تمارس الطموح نفسه اليوم بنكهة دبلوماسيّة "نتنة".
خامساً: القرار القطري يعدّ تراجعاً، ضمنياً حتّى الساعة، عن اعترافها بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما تؤكده القرارات الصادرة عن الجامعة العربية، وكذلك تجاهلاً لقرار الأمم المتحدة عام 2012، والذي اعترف بدولة فلسطينية بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية. يعلّق المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحم، بالقول: "إن تدشين السفارة القطرية في غزة، يعد إعلانًاا واضحًا من قبل الدوحة بأنها على يقين بعدم قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وإن عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون مدينة غزة شمالي القطاع".
سادساً: الأنكى من ذلك كله، أن قطر وضعت المشروع في إطار تعزيز لعلاقة بين قطر وقطاع غزّة، وأحاطته بإطار إنساني باعتبار أن " المشروع يعمل على تشغيل الأيدي العاملة والحدّ من البطالة"، فهل تشغيل العشرات أو وحتى المئات من الأيادي العاملة لمدّة أشهر تبرر تشريد الملايين لمئات السنيين!
كلمة لحماس
هنا لا بد من توجيه كلمة إلى حركة حماس: كما كان الدعم التركي للحركة لأسباب غير "شريفة" وخير دليل على ذلك إدانة أنقرة للعملية الاستشهاديّة في القدس المحتلة، فإن قطر، حليفة تركيا، تدعم الحركة للأسباب ذاتها. ربّما ترى الحركة في الدعم القطري لإعادة الإعمار فرصة للقطاع، فليكن ذلك، ولكن ليس على حساب القضيّة الفلسطينية التي تمرّ اليوم في مرحلة تاريخية هي الأخطر على الإطلاق. إن الخلاف مع السلطة في رام الله لا يبرّر القبول بهذا المشروع الذي سيهدف لتضييع بوصلة القضيّة الفلسطينية من ناحية، ونقل حماس من حركة مقاومة إلى حركة مهادنة على شاكلة حركة فتح في الضفّة الغربيّة من ناحية أخرى.
لا نبالغ إذا قلنا أن هذا المشروع لا يقل خطورةً مفاوضات السلام على القضيّة الفلسطينية، وربّما عن "كامب ديفيد"، بل نتوقّع، في حال إتمام المشروع القطري، أن تكرّر سبّحة السفارات الغربية قبل العربية، نحو قطاع غزّة، لا لعيون الشعب الفلسطيني وقضيّته المحقّة، إنما لأهداف نترك للقارئ فرصة التأمّل فيها!