الوقت - حاولت بعض وسائل الإعلام العربية والغربية إثارة موضوع عدم مشاركة إيران في اتفاق الهدنة في سوريا والذي توصلت إليه روسيا وتركيا مؤخراً في مسعى منها للتشويش على حقيقة مساعي طهران الرامية إلى حل الأزمة السورية عبر الحوار والطرق الدبلوماسية.
ومن بين هذه الوسائل قناة "العربية" التابعة للسعودية التي سعت للإيحاء بأن اتفاق الهدنة السورية تم بين موسكو وأنقرة ولم يكن هناك تأثير لطهران في التوصل إلى هذه الهدنة.
كما سعت شبكة الـ "بي بي سي" البريطانية إلى الادعاء بأن إيران لم تكن مساهمة في هذا الاتفاق في مسعى منها لمصادرة الجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها طهران بهدف التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وإيقاف نزيف الدم في هذا البلد الذي تكبد خسائر فادحة في الأرواح ولحقت ببناه التحتية أضرار جسيمة طيلة السنوات الماضية.
وثمة الكثير من الأدلة التي تؤكد بأن إيران قد لعبت دوراً مهماً في إقرار الهدنة في سوريا لكنها لم تفصح عن ذلك بشكل رسمي لاعتقادها بأن الإعلان عن هذا الأمر من شأنه أن يثير حفيظة بعض أطراف المعارضة السورية التي لا تريد أن يكون لطهران دور محوري في إنهاء الأزمة. كما تعتقد إيران بأن بعض الأطراف الغربية والإقليمية وفي مقدمتها أمريكا والسعودية ستعرقل أي مسعى للهدنة في سوريا بمجرد الإعلان عن مشاركتها في التوصل لهذه الهدنة.
ومن الأدلة الأخرى التي تكشف عن أن إيران قد لعبت دوراً مؤثراً في إقرار الهدنة في سوريا هي زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى طهران بعد أقل من يومين على إقرار هذه الهدنة ولقائه بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف من أجل ترتيب الأوضاع لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تضررت بسبب النزاع في سوريا وتمهيد الأرضية لإجراء مفاوضات سياسية من اجل التوصل إلى حل نهائي للأزمة السورية.
وكان المعلم وباقي المسؤولين السوريين قد أكدوا مراراً بأن طهران وموسكو حليفتان رئيسيتان لدمشق وقد لعبتا دوراً مهماً ومؤثراً جداً بالوقوف إلى جانب بلادهم في التصدي للجماعات الإرهابية. ليس هذا فحسب؛ بل أن المعلم أعلن أكثر من مرة بأن بلاده لن تعوّل سوى على إيران وروسيا في إمكانية التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إيران كانت قد رحبت بالهدنة في سوريا على لسان معاون خارجيتها للشؤون العربية والإفريقية "حسين جابري أنصاري"، كما وصف وزير الخارجية جواد ظريف هذه الهدنة بأنها إنجار كبير، ودعا في الوقت نفسه إلى الاستفادة القصوى من أجواء الهدنة لوضع حد نهائي للأزمة في سوريا.
كما لابد من الإشارة هنا إلى تصريحات المسؤولين الروس التي أكدت على أهمية الدور الإيراني في التوصل إلى الهدنة في سوريا وفي مقدمتها تصريح الرئيس "فلاديمير بوتين" ووزير الخارجية "سيرغي لافروف" بهذا الخصوص.
وبيّن بوتين خلال اتصاله مع نظيره الإيراني "حسن روحاني" أن موسكو وطهران وأنقرة قد أخذت على عاتقها الالتزامات بالرقابة على تنفيذ الهدنة ولعب دور الضامنين لعملية التسوية السورية.
ومن الجدير بالذكر أن المكتب الصحفي للكرملين كان قد أعلن أن بوتين قد اتفق مع روحاني على مواصلة العمل لضمان تسوية الأوضاع في سوريا. وأضاف المكتب في بيان أن الزعيمين ناقشا أيضاً خلال اتصال هاتفي، الوضع في الشرق الأوسط، وقيّما عالياً مستوى التعاون الروسي- الإيراني في مجال مكافحة الإرهاب.
وكان وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا قد عقدوا اجتماعاً في موسكو قبل أيام قليلة من إقرار الهدنة في سوريا، ما يدلل وبما لا يقبل الشك بأن طهران كانت في صلب المحادثات التي أجرتها موسكو وأنقرة والتي أفضت إلى إعلان الهدنة. كما أجرى ظريف اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي أكدا فيه على ضرورة مواصلة محاربة الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" وما يسمى "جبهة النصرة".
وفي 20 ديسمبر/كانون الأول، أكدت كل من روسيا وتركيا وإيران، في بيان مشترك صدر نتيجة المشاورات التي أجريت في موسكو بين وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" ونظيريه الإيراني "محمد جواد ظريف" والتركي "مولود جاويش أوغلو" بمشاركة وزراء دفاع الدول الثلاث، استعدادها لضمان الاتفاق الذي تم العمل على وضعه بين الحكومة السورية والمعارضة، وفي هذا دليل آخر على أن طهران كانت قد نسقت جهودها مع موسكو وأنقرة في إعلان الهدنة في سوريا إلاّ أنها أحجمت عن التصريح بذلك بشكل رسمي للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً.
ومن المتيقن بأن المحادثات التي اتفقت إيران وروسيا وتركيا على إجرائها في العاصمة الكازاخية "آستانة" لإحياء العملية السياسية في سوريا، وإجراء مفاوضات بين أطراف النزاع لا تدع مجالاً للشك بأن طهران كانت طرفاً أساسياً في إقرار الهدنة السورية.