الوقت - بعد توصل روسيا وتركيا إلى اتفاق جديد بشأن الهدنة في سوريا أثيرت بعض التساؤلات حول عدم مشاركة إيران في هذا الاتفاق على الرغم من دورها المتميز في السعي للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية خلال السنوات الماضية.
ويعتقد المراقبون بأن إيران كان لها دور مؤثر في اتفاق الهدنة الأخير إلاّ إنها فضّلت عدم الاعلان عن ذلك رسمياً لتحقيق هدفين أساسيين: الأول: عدم إثارة حساسية بعض أطراف المعارضة السورية التي ترفض أن يكون لطهران دور أساسي ومحوري في حل الأزمة السورية، والثاني: عدم إثارة حساسية بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي ترفض أيضاً أن يكون لطهران مثل هذا الدور وفي مقدمتها أمريكا والسعودية.
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاق الهدنة الأخير في سوريا يهدف إلى توفير الظروف المناسبة لإيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق التي تضررت بسبب النزاع بين القوات السورية والجماعات المعارضة من جهة، وتهيئة الأرضية من أجل إجراء مفاوضات دبلوماسية بهدف التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية من جهة أخرى، وكلا الأمرين يحظيان بتأييد طهران وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عندما وصف اتفاق الهدنة الأخير بأنه إنجاز كبير.
كما أكد المسؤولون الروس وفي مقدمتهم وزير الخارجية سيرغي لافروف على أن طهران كانت داعمة بقوة لجهود التوصل إلى اتفاق هدنة في سوريا، ما يعزز الاعتقاد بأن إيران لعبت دوراً مهماً في التوصل إلى هذه الهدنة وإن لم تعلن عن ذلك رسمياً.
كما تجدر الإشارة إلى أن اتفاق الهدنة الأخير في سوريا قد فكك بين المعارضة السورية المسلحة المشمولة بهذه الهدنة ومن بينها ما يسمى بـ "فیلق الشام" و"جیش الاسلام" و"مجاهدي الشام" و"جیش المجاهدین" و"جیش أدلب" و"جبهة الشام" والتي يصل مجموع عناصرها إلى نحو 50 ألف عنصر وغير المشمولة بالهدنة لاسيّما تنظيم "داعش" وما يسمى جبهه فتح الشام "جبهة النصرة سابقاً".
ومن المعلوم أن تركيا كانت من أشد المتحمسين لإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في بداية الأزمة السورية قبل نحو ست سنوات، لكنها اضطرت لتغيير موقفها خلال الأشهر القليلة الماضية لعدّة أسباب في مقدمتها الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات السورية والقوات الحليفة لها لاسيّما الإيرانية والروسية ومحور المقاومة والتي كان آخرها في حلب، بالإضافة إلى التقارب الذي حصل بين أنقرة وموسكو في أعقاب الاعتذار الذي تقدم به الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لنظيره الروسي "فلاديمير بوتين" عن حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية، وكذلك تداعيات الانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا في تموز/يوليو الماضي واتهمت أنقره في حينها أمريكا وحلفاءها الغربيين بالوقوف وراء هذه المحاولة.
ومن الأمور المهمة والملفتة للنظر هو عدم إشراك أمريكا وحلفائها في اتفاق الهدنة الأخير في سوريا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن روسيا وتركيا قد إتفقتا على استبعاد الغرب عن أي مسعى لتسوية الأزمة السورية لاعتقاد أنقرة بأن واشنطن لا يمكن الاطمئنان لنواياها خصوصاً وإنها تسعى لدعم أكراد سوريا من أجل إقامة منطقة حكم ذاتي في شمال البلاد، الأمر الذي ترفضه أنقرة لخشيتها من إمكانية مطالبة أكراد تركيا بمنطقة مماثلة في جنوب وجنوب شرق البلاد.
كما تعتقد موسكو بأن واشنطن غير جادة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وتصر على دعم ما تسميه "المعارضة المعتدلة"، وتتهمها أيضاً بدعم بعض الجماعات المسلحة لخرق الهدنة في سوريا كما حصل في مرات سابقة.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن تطورات الأزمة السورية قد أفرزت تحالفين الأول يتمثل بروسيا وإيران والذي انضمت إليه تركيا مؤخراً وهو يسعى لتسوية هذه الأزمة سياسياً، فيما يمثل المحور الثاني أمريكا وحلفائها الغربيين والإقليميين ومن بينهم السعودية والذي يصر على وضع العراقيل أمام أي مسعى للتوصل إلى تسوية لهذه الأزمة رغم الكوارث البشرية والدمار الهائل الذي لحق بالشعب السوري طيلة السنوات الماضية.