الوقت-"لا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون وبرقابة من القضاء"، النص السابق لم يصدر عن منظمات حقوقية دولية وليس أمنيات، بل هذا النص يشكل المادة 19 (ب) من دستور البحرين، الذي ضرب فيه نظام آل خليفة عرض الحائط، ولعلَّ الصورة تكتمل أكثر بالوقوف على حقيقة ما يجري في منطقة الدراز وما يعانيه البحرينيون، بعد 7 أشهر من حصارٍ خانقٍ لا لذنبٍ ارتكبوه بل لاعتبارات طائفية وسياسية ليس أكثر، ومقاربة الصورة تلك من الزاوية الفلسطينية.
اذ تعيش حقوق الإنسان في البحرين، أزمة متفاقمة بسبب الممارسات القمعية للنظام الحاكم في البلاد، زادت حدتها منذ قيام السلطة في البحرين بإسقاط الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم الذي يمثل مرجعية الطيف الأكبر من الشعب البحريني، وقد كان ومازال الشخصية الأولى التي دعمت الحراك السياسي منذ إنطلاقه في 14 فبراير 2011 وحافظت على سلميته بشكل منقطع النظير، محافظاً بذلك على البحرين من الإنزلاق الى مستنقع العنف والطائفية ونبذت خطاب الكراهية بشكل مطلق.
فبعد أن اعتصم السكان بشكل سلمي أمام منزل اية الله الشيخ عيسى قاسم بدعوة علماء الدين ونشطاء سياسيين واجتماعيين، لمنع الأمن البحريني من التعرض له، أقدم نظام آل خليفة على سلسلة إجراءات امنية وسياسية واجتماعية واقتصادية قاسية جدا وغير قانونية بحق المعتصمين، اذ عمد النظام البحريني الى قطع أغلب الوسائل الخدمية عن المنطقة بعد الاضراب المفتوح لأهالي الدراز (غرب المنامة) في "ساحة الفداء" عند منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم.
وبحسب شهادات سكان المنطقة فأن النظام أغلق المنافذ والشوارع المحيطة عبر نشر نقاط تفتيش عسكرية وقطع الاتصالات وامدادات الماء والكهرباء في معظم الأحيان، ومنع دخول المواد الغذائية والطبية الى الدراز، ما أسفر عن تردّي الأوضاع المعيشية لأهالي المنطقة، إضافة الى تدهور الوضع الاقتصادي فيه.
الحصار المفروض على المنطقة الدراز في الجزء الشمالي الغربي من البحرين، التي يقطنها قرابة الـ18 آلاف نسمة لم يوفر أي وسيلة خدمية مهما كانت صغيرة، وطال أغلب القطاعات الخدمية بدءاً من الاتصلات الى مياه الشرب وصولاً الى قطع الكهرباء والوقود الا بما ندر، كذلك منع النظام البحريني حافلات طلاب المدارس من دخول منطقة الدراز إلّا بتصريح خاص من إدارة المرور، وذلك في إطار تشديد الحصار على البلدة التي تشهد قطعًا مستمرًا للاتصالات ونقصًا في الخدمات للتضييق على المعتصمين المحتجين على محاكمة المرجع الوطني الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم.
كذلك عمد نظام آل خليفة ومنذ بدأ العام الدراسي (قرابة 3 اشهر) على منع الحافلات الخاصة بنقل طلاب المدارس من دخول الدراز، بشكل اشبه بتأشيرة دخول لبلد أجنبي، اذ يحتاج الطفل البحريني الى تصريح شبيه بالفيزا للذهاب الى مدرسته، ويسمح الأمن البحريني بالدخول عبر منفذين فقط لأهالي المنطقة شريطة تطابق العنوان مع المنطقة، الأمر الذي تسبب في مرور المنطقة بحالة من العزلة الاجتماعية، كما أصيبت المحلات التجارية بشلل شبه تام، نتيجة عدم تمكن الزبائن من خارج المنطقة من الوصول إليها، للحصول على الخدمات والسلع.
وفي مشهد يشرح بطريقة أو بأخرى بعضاً من اسباب الحراك السياسي في البحرين، زار وفد من التجار ورجال الاعمال اليهود الإسرائيليين والامريكيين قبل أيام العاصمة البحرينية المنامة وعقدوا لقاءات ثنائية مع تجار بحرينيين، بهدف بحث الفرص الاستثمارية والاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين وواشنطن.
وبينما يفرض النظام البحريني حصاراً على المواطنين في الدراز، كانت مظاهر البذخ والترف واضحة خلال استقبال الوفد الاسرائيلي، الذي أبى أن يفرح في تلك المناسبة دون اقامة حفلة راقصة، على آهات البحرينیين والفلسطينيین على حد سواء، وكان تجاوب النظام البحريني مع الوفد الاسرائيلي أكثر مما توقعه اليهود نفسهم، اذ اعرب الوفد عن دهشته بحجم الاستجابة لدى مضيفهم في البحرين للرقصة المعروف بأنها ذات طابع يهودي ديني متطرف، علما أن مشهد الرقص والغناء الذي قام به اليهود في منزل أحد التجار بالبحرين تضمن كلمات تتغني ببناء البيت المقدس على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
العلاقة البحرينية الاسرائيلية، ليست جديدة بل لطالما "تغنى" ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة باتصالاته مع وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد (كما كشفت وثائق ويكیليكس المسربة)، فالخطوط التي تجمع النظامين في البحرين والکیان الاسرائيلي أكبر من تلك التي تفرقهما ولعل حصار أهل فلسطين (الدولة والشارع) واحدة من تلك النقاط المشتركة، حيث تضم منطقة الدراز المحاصرة شارع يحمل اسم فلسطين وهو الآخر محاصر، في اشارة واضحة الى كل ذي لب وبصيرة.