الوقت- المتتبع للأحداث الجارية في كل من العراق وسوريا، يمكنه بسهولة من تعرية مسببات الازمة ونوايا القائمين عليها وما رافقها من مؤامرات وتواطؤات سارعت في رسم خطواتها العدوانية دول غربية وعربية على حد سواء، كانت على رأسها أمريكا والسعودية، من جهة، وما رافقها أيضا من تحالفات أو مساندات سياسية وعسكرية لمحور المقاومة والتصدي تمثلت هذه التحالفات بإيران وروسيا، من جهة أخرى.
والان وبعد مضي قرابة 6 سنوات على بدء الأزمتين العراقية والسورية وهزيمة الجماعات الارهابية يمكن القول ان هناك أفقا مضيئا یلوح امام هاتين الدولتين واذا قمنا بتحليل معمق فيمكننا معرفة الجهات المنتصرة والخاسرة في الحروب الجارية هناك والتي باتت تعرف بالحروب بالوكالة.
الخاسرون في الحروب بالوكالة في المنطقة
اذا اردنا الاشارة بوضوح الى أبرز خاسري الحروب بالوكالة التي تجري في المنطقة فيمكننا تحديد الدول التالية:
1. أمريكا والكيان الاسرائيلي
تعتبر أمريكا واللوبي الصهيوني الرأس المدبر للحروب بالوكالة والذي يتبعه اللاعبون الآخرون، ويقول رئيس مركز دراسات ستراتفورد في أمريكا "جورج فريدمن" في مقال له ان استراتيجية امريكا في المنطقة حتى عام 2000 كانت التدخل المباشر لكن فيما بعد بادرت امريكا الى بناء تحالفات جانبية ايضا وايجاد توازن للقوى في المنطقة وهذه ستكون الاستراتيجية الامريكية في الفترة المقبلة والتي تبقي واشنطن خلف الستار وتقلل من نفقاتها وتكاليفها.
لقد بادرت واشنطن خلال تنفيذ استراتيجية الحروب بالوكالة الى ايجاد تحالفات بين دول عربية مثل السعودية وبين الجماعات المسلحة الارهابية ومن جهة أخرى أشعلت الحروب بالوكالة عبر استغلال النزاعات الايديولوجية التي لاتتراجع اطرافها عن الصراع حتى النهاية خلافا لأنماط الحروب الأخرى.
لقد فشلت المشاريع الأمريكية الاسرائيلية في غرب آسيا ومنها الشرق الاوسط الكبير وتقسيم بلدان المنطقة وقد أذعن اوباما بذلك في خطابه الأخير عن سوريا.
2. السعودية وقطر وتركيا
أصبحت هذه البلدان الثلاثة عناصر في الحروب بالوكالة التي دبرتها أمريكا وهم يشكلون الأدوات اللوجستية لهذه الحروب والتي تقدم الدعم المالي والبشري والعسكري للارهابيين في المواجهة مع محور المقاومة، وقد كتبت جريدة الحياة الممولة سعوديا انه مع سيطرة النظام السوري على حلب يجب اغلاق ابواب الجامعة العربية بشكل نهائي.
ان الحصة الأكبر من الهزيمة بين دول الجامعة العربية كانت من نصيب السعودية وقطر اللتين انفقتا اموالا طائلة لدعم الارهابيين في العراق وسوريا دون تحقيق مكاسب كما خسروا اخلاقيا مكانتهم عند الرأي العام في المنطقة.
اما تركيا التي نذرت نفسها لاسقاط بشار الاسد ليس فقط لم تحقق حلمها بل أصبحت تواجه ازمات داخلية أمنية وإقتصادية فيما أصبحت علاقاتها مع جيرانها وخاصة روسيا وايران متدهورة بسبب سياساتها التدخلية.
وهناك نماذج كثيرة عن هزائم المحور الغربي- العربي- العبري التي يمكن الاشارة اليها مثل الاندحار في حلب والذي يعتبر هزيمة من العيار الثقيل.
المنتصرون في الحروب بالوكالة
لايخفي على أحد ان الهدف الرئيس للحروب بالوكالة كان إضعاف محور المقاومة وخاصة ايران فالجماعات الارهابية التي استهدفت العراق وسوريا اعلنت بأن استراتيجيتها التالية هي جرّ الاضطرابات نحو ايران لكن هؤلاء أخفقوا في تحقيق أهدافهم بعد الهزيمة في العراق وسوريا ولذلك يمكن القول ان المنتصرین الرئيسيین في الحروب بالوكالة هم دول محور المقاومة التي تقودها ايران، بالاضافة الى روسيا، واليوم هناك من يعتبر معركة حلب بمثابة رصاصة الرحمة التي اطلقت على مشاريع الدول الرجعية والعميلة بشهادة وسائل الاعلام التابعة لهذه الدول والتي اعترفت بالهزيمة امام ايران.
وقد قالت قناة بي بي سي البريطانية ان المنتصر في معركة استعادة حلب كانت ايران وان الخاسر هي السعودية، مضيفة بأن معركة حلب يمكن ان تؤدي الى اظهار ايران كقوة عظمى في المنطقة.
اما المستشار الخاص لرئيس مؤسسة الابحاث الاستراتيجية الفرنسية فرانسوا ايسبورغ فقد كتب في مقال في مجلة لاكرا ان ايران وروسيا هما المنتصرتان الاستراتيجيتان في الأزمة السورية فإيران حافظت على خط ارتباطها مع حزب الله في لبنان وبات حضورها ضروريا في المنطقة بسبب دور الحرس الثوري وحزب الله والحركات الشيعية في العراق وسوريا.
وبالاضافة الى محور المقاومة يمكن القول ان روسيا ايضا تعتبر من المنتصرين في الأزمة السورية فقد حسنت موسكو صورتها عالميا وزادت من اعتبارها دوليا وهذا سيساعدها على تنفيذ سياساتها في باقي مناطق العالم وخاصة في المواجهة مع اوروبا.
واخيرا يجب القول ان محور الهيمنة (أمريكا وحلفائها) كان ينوي تنفيذ سياسات عديدة في المنطقة من وراء حروبه بالوكالة مثل التقسيم والحروب الداخلية وحروب الاستنزاف والحروب الطائفية لكن هزيمة هذه السياسات والمشاريع في العراق وسوريا ليس فقط أفشلت مخططات محور الهيمنة بل فتحت المجال امام اتساع دائرة نفوذ محور المقاومة في المنطقة.