الوقت- كان للوقت حوار خاص مع كلٍ من الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أمين حطيط والكاتب الصحفي الاستاذ إبراهيم بيرم والمحلل السياسي السوري الاستاذ سليم حربا حول أسباب سرعة الإنهيارات في صفوف المسلحين في شرق حلب وأثر النصر والحسم في معركة حلب على الميدان السوري ككل، جاء فيه:
في جواب على سؤالنا عن سبب الإنهيارات السريعة في صفوف المسلحين في شرق حلب مؤخراً وعن إذا ما كانت المعركة تعتبر منتهية أم ما زالت غير محسومة.
قال العميد أمين حطيط بأن السبب عائد لأمرين، الأول يتعلق بالمناورة العسكرية التي نفذها الجيش السوري والحلفاء والتي حققت المفاجأة العسكرية والإستراتيجية على حدٍ سواء بحيث أنها خرقت المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون في حالة من الذهول والسقوط السريع فلم يستطيعوا أن يتدبروا الأمر أو يعالجوه وخاصة الخرق الأول في مساكن هنانو، وعندما انهار الجهاز أو البنيان القتالي للمسلحين في الصدمة الأولى لم يستطيعوا إحتوائه نظراً لأن القوة المهاجمة حافظت على زخم الهجوم واستمرت في إنتاج وتحقيق المفاجآت واحدة تلو الأخرى ولم يُعطى للمسلحين فرصة كي يلتقطوا أنفاسهم ما جعلهم في خط تراجعي إنحداري دائم، أما ثانياً فهشاشة البنية التنظيمية للمجموعات المسلحة شكلت عاملاً مساهماً في سرعة إنهيارهم فرغم أن معظمهم يدّعي سعيه لتحقيق الأهداف نفسها إلا أنهم لم يستطيعوا إنشاء قوة موحدة متماسكة تستطيع أن تفرض نفسها وتدير شأنها وحاولوا أن يغطوا هذه الثغرة بعد إعلان إنشاء جيش حلب بعد تلقيهم الصدمة الأولى لكن تسارع الأحداث وإندفاعة الجيش السوري لم تُتح لهذا الجيش الذي تشكل من الفلول بدل أن يتشكل من الفصائل الأولى أي فرصة لكي يعوّض الثغرات التي يعانون منها واستمروا بحالتهم الدفاعية المفككة.
أما بالنسبة لإعتبار المعركة منتهية، فنعم انتهت، ونحن نعرف أن المسألة هي مسألة وقت فقط وهي تقتصر على عمليات إستكمال التطهير ولا يتخيل عاقل أن هناك إمكانية لصمود من تبقى في حلب على مساحة سُبع الأرض التي كانوا يسيطرون عليها، لذا ما تبقى "15%" فقط من كامل المساحة في الجبهة الشرقية لحلب ويبدو أنها تنهار سريعاً، وهذه المساحة الصغيرة وبالإضافة للحصار لن تُمكن المسلحين من المناورة، وهم أمام إحتمالين إما أن يهربوا من الميدان من أي منفذ قد يجدونه أويستسلموا ويسلموا أنفسم ولا خيار غير هذين سوى الموت.
فيما أجاب الاستاذ إبراهيم بيرم بأنه بالمعنى الإستراتيجي المعركة منتهية، ربما تحتاج بعض الوقت أو ربما أيام لإجتثاث كل الوجود المعارض في هذه المدينة التاريخية، لكن بالنهاية بدا فعلاً أنه هناك هزيمة وأن ليس بمقدور هذه المجموعات أن تسترد مواقعها السابقة بل على العكس فنحن أمام إنهيار وتحرير لثلاث أرباع المدينة.
أما سبب الإنهيار فهو عسكري بالدرجة الأولى إضافة لوجود أسباب سياسية، فعسكرياً الجيش السوري حشد جيداً لهذه المعركة وبالتالي راكم إنتصارات سابقة وألحق ضربات قاسية بالمجموعات جعلتهم ينهارون معنوياً قبل أن ينهاروا عسكرياً وهذا احتاج لبعض الوقت، كما لا يمكن أن نُغفل الأسباب السياسية فقط بدا واضحاً التغيير في موازين القوى في المنطقة والتدخل الروسي وتصميمه على تفريغ أو تحرير حلب كاملة كما الإيرانيين وحزب الله وكل القوى الأمر الذي كان له أثر بالغ وذلك لمعرفة منهم أن هذه المنطقة هي المقتل بالنسبة للطرف الآخر، وبالتالي كان من الطبيعي أن ينهاروا برأيي وليس طبيعياً أن يصمدوا هكذا بالميدان، إضافة إلى ذلك يمكن أن نستشم تحولاً في الموقف التركي الأمر الذي سلب المسلحين الغطاء والدعم.
في حين اعتبر الاستاذ سليم حربا أنه بالمفهوم العسكري الميداني المعركة منتهية لصالح الجيش السوري وحلفائه، أما سبب إنهيار المجاميع الإرهابية فيأتي من خلال عدة معطيات، أولها المناخات التي أنضجها الجيش السوري لتحقيق هذا النصر وهي بصد وإحباط كل محاولات الهجوم للمجموعات الإرهايبة باتجاه الأحياء الغربية لحلب وإسقاط زخمهم بقتل آلاف القتلى وبذلك منع أي خرق من التحقق نحو الأحياء الشرقية، أما ثانياً فهي العمليات النوعية التي أطلقها الجيش السوري في الأحياء الشرقية بدءاً من مساكن هنانو وصولاً لباقي الأحياء الشرقية وتحقيق ما تم تحقيقه الآن وهذا يدل على نوعية العمليات والمقاتلين وحرفية الأسلوب المتبع، أما ثالثاً فهي الحالة الشعبية الرافضة للمجموعات الإرهابية وتعسفها في حلب الأمر الذي ساعد الجيش السوري أيضاً، ورابعاً هو عجز الدول الداعمة للمجموعات الإرهابية وفشل مساعيها في مجلس الأمن وغيرها من محاولات لمساندة المسلحين بالتحجج بالأمور الإنسانية ومسائل أخرى كاذبة، وخامساً لا بد أن نشير إلى التفكك والإقتتال بين المجموعات الإرهابية نفسها والإختلاف بين من يريد الإنسحاب من حلب ومن يريد القتال، جملة هذه الأمور جعلت الإرهابيين ينهارون سريعاً وجعلتهم أمام خيارات محدودة وربما معدومة.
أما في جواب على سؤالنا حول تأثير النصر في حلب على باقي الميدان السوري
قال العميد حطيط، نحن نعتبر أن النصر في حلب سيؤرخ لبدء نهاية الأزمة السورية برمتها، وسينهي المشاريع الأساسية والإستراتيجية للمخططين للعدوان على سوريا، كما يمكن القول أن الإنتصار في حلب سيفتح تقويماً وتأريخاً جديداً ليس في سوريا فقط بل في المنطقة ككل، وسبق أن حاولت أن أجري مقارنة بين سقوط الإرهاب في حلب وسقوط القسطنطينية لأنه لو استطاع الإرهابيون البقاء في حلب لبقي جزء أساسي وحساس من سوريا في ظلامية إلغائية أم مع سقوطهم فستفتح المنطقة على عودة الدولة والسيادة والإستقلال من جديد. وبالمفهوم العسكري كذلك، فالنصر في حلب ستنسحب مفاعيله على باقي الجبهات السورية والمنطقة ككل، لذلك فإن كل من شارك في العدوان يحاول البحث عن مخارج لتخفيف وطأة الهزيمة التي منيوا بها.
فيما اعتبر الإستاذ إبراهيم بيرم أن هناك رأيين، الأول يقول أن حسم معركة حلب هو بداية النهاية، فالتسويات بدأت على مبدأ أن النظام ربح المعركة في سوريا، وهناك رأي آخر يعتبر أن معركة حلب هي مجرد ضربة قوية وُجهت للمعارضة في عقر دارها، ولكن أقله هناك تحول كبير يُمَكننا من القول أن الرهان على تسويات مقبلة لمصلحة النظام بدأت بشكل جدي ولا يمكن أن تتراجع للوراء.
فيما اعتبر السيد سليم حربا أن حسم معركة حلب سيكون له مفاعيل في مقلبين، الأول هو التطور النوعي في عمليات الجيش السوري القادمة سواء في مدينة الباب أو باتجاه نبل والزهراء لتطهير الريف الشمالي الغربي أو باتجاه ريف حلب الغربي والجنوب الغربي باتجاه إدلب، الأمر الثاني هو المفاعيل السلبية على المجاميع الإرهابية ومشروع الإرهاب من جبهة النصرة وملحقاتها التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية ورعاة الإرهاب تسويقها على أنها معارضة معتدلة والمقصود هنا الأثر السلبي على هذا المشروع عسكرياً ونفسياً ومعنوياً على أثر الهزيمة، وهناك أيضاً بُعد إقتصادي بما تمثله حلب من عجلة إقتصاد أساسية يمكنها الإقلاع سريعاً فتساهم بتحريك الإقتصاد السوري ككل، والأهم من ذلك أيضاً أن حلب بما تمثله من موقع جيواستراتيجي في المنطقة تسقط بتحريرها أوهام السلطنة العثمانية التي كان يتوهمها الأتراك، لذا سوريا ما بعد حلب غير ما قبل حلب والمنطقة ككل بعد حلب ستكون غير ما كانت عليه قبل سيما أن هذا الإنجاز يتكامل مع الإنجاز الإستراتيجي الذي يحققه العراقيون بهزيمة داعش وإقتراب إنهائها في الموصل.