الوقت - لا يختلف اثنان على أن أدمغة الكيان الإسرائيلي باتت مُحتارة فيما وصلت اليه الأمور على الصعيد المتعلق بالأزمة السورية. لا سيما بعد أن خسرت تل أبيب كل رهاناتها في الميدان السوري، بل بات من نتائج انتصار محور المقاومة في سوريا تعاظم دور وحجم حزب الله. مما يضع تحدياتٍ كثيرة أمام الكيان، فيما يخص كيفية التعاطي مع الحزب. وهنا فقد جاء قصف سلاح الجو الإسرائيلي فجر أمس الأربعاء على ريف دمشق الغربي، وتأكيد تل أبيب أنه مُوجّه لمنع تزوّد حزب الله بسلاح كاسر للتوازن، كنموذجٍ للأسلوب الذي باتت تنتهجه تل أبيب في حربها العسكرية مع الحزب. لنطرح هنا أهمية الوقوف عند دلالات ذلك. فماذا في الرؤية الإسرائيلية تجاه التعاطي مع حزب الله؟ وماذا يعني واقع الصراع العسكري بين الطرفين اليوم؟
الرؤية الإسرائيلية تجاه التعاطي مع حزب الله
تنطلق الرؤية الإسرائيلية تجاه حزب الله وبشكلٍ موجز من خلال التالي:
الناحية الأولى: وهو المنحى العسكري الكلاسيكي. تعتبر تل أبيب أن المعركة مع حزب الله لا يمكن أن تحدث دون ضمان الإنتصار الحتمي. خصوصاً أن حزب الله أذاق الجيش الإسرائيلي طعم الخسارة مرَّاتٍ عدة. مما يستوجب ضرورة الدخول في حربٍ تحتمل الربح أكثر من الخسارة. وهو ما لا تجده تل أبيب أمام تعاظم حزب الله الحالي:
- قوة سياسية داخلية فارضة للمعادلات المحلية.
- قوة عسكرية حاضرة مُتيقظة على الحدود مع فلسطين، ومُتحكمة بالميدان السوري حيث تتواجد.
- قوة إقليمية قادرة على التأثير وتدخل حسابات اللاعبين الدوليين لا سيما أمريكا وروسيا وإيران، كلٌ حسب أهدافه.
أمام هذا التوصيف، يرى البعض أن أي حربٍ مع حزب الله يجب أن تدخل مُختبر الحسابات الدقيقة، منعاً لأي خسارةٍ حتمية. لا سيما أمام تطورٍ كبير في تكتيكات حزب الله العسكرية وانتقاله نحو التوأمة بين تكتيكات حرب الجيوش وحرب العصابات في كلتي حالتي الدفاع والهجوم.
الناحية الثانية: وهو المنحى العسكري الذي يتعاطى مع دلالات الواقع الحالي. يجد البعض أن حزب الله لن يأخذ خطواتٍ نحو أي حربٍ ضد الكيان اليوم وفي هذا التوقيت. لأسبابٍ تتعلق بإنشغالاته في عدة جبهات. وهو ما يراهن على إمكانية قيام الجيش الإسرائيلي بأي عملية تزيد من النقاط المسجلة لتل أبيب ولو أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، مع الرهان على عدم قيام حزب الله بأي خطوة قد تؤدي للتدحرج نحو حرب. خصوصاً أن قرار الحرب لم يعد قراراً فردياً بل يخضع لحساباتٍ عديدة حتى لدى حزب الله. وهو ما تفرضه طبيعة تعاظم الدور.
أمام هذا التوصيف، فإن القيام بعمليات عسكرية موجهة لأهداف معينة، ضمن سقفٍ زمنيٍ ومكانيٍ مدروس، قد يكون مقبولاً، بحسب ما يوحيه سلوك الجيش الإسرائيلي.
أمام هذه الرؤية: ما يجب أن يُقال
بعيداً عن منطلقات تل أبيب، وبناءاً للواقع العسكري الحالي يمكن قول التالي:
أولاً: إذا كانت تل أبيب تقصد بناء توازنٍ جديد بينها وبين حزب الله عبر القيام بعمليات استهدافٍ موضعي، يخدم إيقاف تعاظم الحزب العسكري، فهو أمرٌ لم ولن ينجح بحسب الوقائع. حيث أن قيام الطيران الإسرائيلي بقصف شحنات السلاح لحزب الله، لم ينجح بإيقافها، والدليل على ذلك هو القيام باستهداف الشحنات مرات عديدة الى جانب التقارير الإستخباراتية الإسرائيلية والتي تؤكد أن عمليات القصف لم توقف الدعم العسكري للحزب بحسب ما تظهره أرقام ونوعية الأسلحة التي باتت بحوزته.
ثانياً: إن لجوء القيادة العسكرية الإسرائيلية لتوجيه رسائل عسكرية لحزب الله ضمن الجغرافيا السورية، دليلٌ على نجاح حزب الله في فرض معادلات الكباش العسكري. حيث يبدو واضحاً نأي الجيش الإسرائيلي عن توجيه أي ضربة ضمن الجغرافيا اللبنانية تحسباً لنتائج المعادلة التي وضعها حزب الله بحتمية الرد.
ثالثاً: يبدو واضحاً أن السلوك الإسرائيلي يدخل ضمن خانة ردة الفعل الساخطة والعاجزة. فمن ناحية باتت تل أبيب أمام حسابات معقدة مع جبهتها تجاه لبنان. وفي حال تعاطت مع الجبهتين لبنان وسوريا كجبهة واحدة، فهي تتوقف عند حسابات تتعلق بالدولة السورية وحلفائها الدوليين روسيا وإيران، الى جانب حزب الله. مما يجعلها تُبرز ومن خلال اعتداءاتها العسكرية، سخطها من الوقوق كطرفٍ عاجزٍ عن التأثير في مجريات الأوراق الميدانية.
إذن فشلت تل أبيب في أهدافها ولو سلَّمنا جدلاً أنها نجحت في ضرب شحنة سلاحٍ لحزب الله بحسب ما أكدت. فشلت في ضرب تعاظم حزب الله كماً ونوعاً. وفشلت في ضرب خاصرته السورية، بعد عجزها عن تحقيق أي تغيير في الميدان السوري. وفشلت أيضاً في تأمين واقعٍ يدعم حرباً يمكنها فيها طحن محور المقاومة كما تشتهي. وبات الفشل سمة السلوك الإسرائيلي. فيما عبَّر الإعتداء الإسرائيلي عن سخطٍ من نتائج الميدان السوري وتحديداً تعاظم حزب الله!