فی منطقتنا فإن نصف سواحل الخلیج الفارسی و حتی السواحل الشمالیة للبحر الأبیض المتوسط فإن معظم البلدان و الحکومات تتعاون مع سوریة و حکومتها من أجل مواجهة الإرهاب بشکل فعال کما أنها تثنی علی صمود الحکومة فی وجه هذا التیار.ففی الوقت الحاضر فإن سوریة لا تواجه صراعاً إقلیمیاً باستثناء دول السعودیة و ترکیة و الکیان الصهیونی. و فی الوقت نفسه فإن أحداث سوریة قد کشفت العدید من أسرار المنطقة. لقد أظهرت الأحداث السوریة جیداً أن المملکة العربیة السعودیة تسیر نحو الهزیمة و الإنزواء بسبب أعمالها الغیر إنسانیة.إن السعودیین إضافة لدعمهم لأی حرکة تسعی لإسقاط حکومة دمشق فإنهم فی الوقت نفسه یعتبرون بشکل خاص أهم داعم «لجبهة النصرة». إن جبهة النصرة هو تنظیم تکفیری إرهابی وهابی یتلقی دعمه المالی و السیاسی و الإستخباراتی من السعودیة و یقع تحت قیادة زعیم القاعدة أیمن الظواهری. لقد أعلن «الجولانی» قائد هذا التنظیم قبل 4 أشهر فی بیان رسمی له و رداً علی مواقف «أبو بکر البغدادی» قائد ذراع تنظیم القاعدة فی العراق أنه یقع تحت بیعة الظواهری و لا یستطیع الإلتحاق «بداعش»- دولة العراق و الشام الإسلامیة- و منذ ذلک الوقت شهدنا احتدام المعارک بین جبهة النصرة و داعش کما تدل الأخبار علی أن أکثر من ألف شخص علی الأقل قد قتلوا من الطرفین خلال هذه الأشهر فی منطقة حلب علی ید بعضهم البعض. من هذه الجهة فإن دعم السعودیة لأحد أذرع القاعدة فی العراق سبّب قلقاً فی ترکیة و قطر و أمریکا و انکلترا و فرنسه لأن هذا الدعم معناه خلط أوراق اللعبة و تجاهل الدور المحوری لمجلس المعارضة السوریة و جناحه العسکری – الجیش الحر - .
إن صراع النصرة و داعش مع بعضهم من جهة ،و صراع هاتین المجموعتین مع الجیش الحر من جهة أخری یدل علی عمق الهوة و الخلاف بین الدول المعارضة للأسد و فی الواقع لیس هناک ما یجمع هذه الدول سوی الإتفاق علی إسقاط حکومة الأسد و علی هذا فإن انعقاد مؤتمر جنیف2 تحیط به هالة من الغموض حیث تحول إلی نقطة خلاف بحد ذاته. إن جنیف2 و جنیف1 کانا ابتکاراً أمریکیاً و إنکلیزیاً بالأساس و یسعیان لتحقیق هدفین أساسیین. الهدف الأول وضع حد لخلافات المعارضة المتزایدة و وضع المعارضین ضمن صیغة معینة و تحت قیادة موحدة حیث تتلقی هذه القیادة أوامرها بشکل مباشر من وزارة الدفاع الأمریکیة. کما حددوا الهدف الثانی بالسعی الجدی لتغییر النظام فی سوریة الذی أصبح محاطاً بالغموض بعد الإنتصارات الواسعة التی حققها الجیش السوری.و فی الوقت الذی أعلن فیه أن موعد انعقاد جنیف2 هو شهر تشرین الثانی إلا أنه لا یوجد دلیل علی تدنی الخلافات و المعارک بین المجموعات المسلحة المعارضة للحکومة السوریة. کما أن الخلاف فی الرؤی بین السعودیین و الأمریکیین قد وصل إلی الذروة،کما أن مباحثات وزیر الخارجیة الأمریکی جون کیری مع المسؤولین السعودیین لم تصل إلی نتیجة و قد أعلنت السعودیة لأول مرة و بشکل رسمی عن تخفیض مستوی العلاقات بین السعودیة و أمریکا.یعتقد السعودیون أن محوریة مجلس المعارضة و الجیش الحر فی مفاوضات جنیف2 ستکون فی المستقبل متمرکزة علی محوریة ترکیة فی سوریة و إن محوریة دولة غیر عربیة فی سوریة یتضارب مع المصالح العربیة. لقد قال بندر بن سلطان رئیس جهاز الإستخبارات السعودی الذی یتولی بشکل کلی الملف السوری من قبل الریاض لجون کیری أننا کما لا نقبل النفوذ الإیرانی فی سوریة فإننا کذلک لن نرضی بالنفوذ الترکی هناک.من جهة أخری فإن السعودیین یقولون أن مفاوضات جنیف2 من أجل حل الأزمة السوریة لیست لصالح أتباع الأسد بل هی مباحثات لإعادة بناء جبهة المعارضةو هذا الأمر قد یساعد أکثر علی نجاح حکومة الأسد و إیران فی الثبات أکثر لأنه و فی النتیجة فإن إعادة بناء وجه و شرعیة المعارضة سیجعلها تلتزم بتجنب العنف فی مواجهتها مع مؤیدی الحکومة السوریة.یعتقد السعودیون بشکل کلی أن الأمریکیین لیس لدیهم مشروع واقعی و منسجم لمستقبل سوریة و لیس باستطاعتهم أن یکسبوا فی الأزمة السوریة،و لهذا السبب و مع مرور بعض الوقت نراهم یقبلون الحکومة السوریة مرة أخری و یترکون معارضیها وسط الساحة لوحدهم.إن مواقف السعودیة من الأزمة السوریة لم تحظی بعدم رضا الغرب و حسب بل تسببت فی عدم رضا ترکیة و قطر کما تعرضت لرفض معظم المجموعات المعارضة لنظام الأسد فی الداخل السوری هذا فی الوقت الذی أثارت فیه جدیة السعودیة و إصرارها علی الهجوم العسکری الأمریکی ضد سوریة و إعلانها رسمیاً بأنها مستعدة لتحمل تکالیف الحرب عدم الرضا الشدید بین مسلمی المنطقة و حتی بین أطیاف مثل طالبان التی تعتبر حلیفاً للسعودیة. یمکن الیوم أن نسمع همس معارضة السعودیة من مکبرات صوت المساجد التی تدعمها السعودیة فی المنطقة و عن لسان أئمة جمعة و جماعة هذه المساجد. کل هذه الأمور تدل علی أن السعودیین یتجهون نحو العزلة.
و من جهة أخری فإن أحداث سوریة تظهر حقانیة مواقف محور المقاومة.قبل هذه الأحداث کان الظن الغالب أن إیران و حزب الله یقفون فی وجه «التغییر السلمی» فی سوریة و یؤکدون علی استمرار وجود النظام السوری بناءاً علی حفظ مصالحهم.علی هذا الأساس و عندما استطاع حزب الله اللبنانی خلال معرکة مصیریة و خلال 4 أسابیع أن یهزم آلاف العناصر المنتخبة من جبهة النصرة و داعش فی شمال محافظة حمص- منطقة القصیر ال
إستراتیجیة- اعتبر المسؤولون الإسرائیلیون أن هذا الأمر یعتبر تجاوزاً للخطوط الحمراء التی وضعه حزب الله لنفسه- عدم التدخل فی الحرب الداخلیة- و أعلنوا بمنتهی السعادة عن انتهاء قوة هذا الحزب.الیوم لیس هناک خبر عن سیطرة هاتین المجموعتین علی حمص ،بل إن الجیش السوری قد بسط سیطرته و منع من وصول الدعم اللوجیستی و التسلیح السعودی عن طریق میاه البحر الأبیض المتوسط و الأراضی اللبنانیة. إن المعارک الداخلیة بین المجموعات المعارضة فی سوریة و مقتل عدد کبیر من العناصر التکفیریة السعودیة یظهر أن تدخل حزب الله فی المیدان الأمنی السوری کان من أجل وقف تمدد الحرکة التی لو سیطرت علی سوریة لما تبقی أمن و أمان لشعوب المنطقة و خاصة الشعب السوری.حسب آخر استطلاع تبین أنه خلال الأسابیع الماضیة ازدادت شعبیة الأسد و نصر الله فی المنطقة. لقد رأی أهل السنة فی هذا الإستطلاع أن لنصر الله الحق فی التدخل لمنع سیطرة داعش و النصرة علی المنطقة.فی هذه الأسابیع الماضیة التحق عدد من مجموعات الجیش الحر بالجیش السوری. لو جلس القادة الأمنیون فی تل أبیب الیوم و قاموا بجردة حساب مع أنفسهم لوجدوا أن حزب الله لم یتجاوز خطوطه الحمراء و لم یتدخل فی حرب داخلیة ،بل إن ما قام به هو الدخول فی حرب طرفها الآخر لا علاقة له بأی شکل من الأشکال بالأحداث الداخلیة السوریة. إن جبهة النصرة لا تدعم مواقف أهل السنة فی سوریة و کذلک « داعش» لیست ممثلاً لشعوب المنطقة لذلک فإن مواجهة حزب الله للتیارات المحلیة و الإقلیمیة للقاعدة لن یقلل من شعبیته بل سیزید من محبوبیته داخلیاً و إقلیمیاً، و من هنا عندما استطاع حزب الله الإنتصار فی القصیر علی الـالاف من عناصر القاعدة اعتبر العدید من معارضی نصر الله أن أهمیة هذا الإنتصار أکبر من أهمیة النصر التاریخی خلال حرب تموز. لقد قالوا أن انتصار حزب الله فی حرب الشوارع علی مجموعات مسلحة تعتبر أقوی من عناصر الجیش الإسرائیلی تظهر أن الحزب یستطیع بسهولة تحریر المناطق الشمالیة من فلسطین و أن یصل إلی تل أبیب.
من جهة أخری فإن الأزمة السوریة تحکی لنا عن مستقبل المقاومة. لقد سمعتم بالتأکید أن دول المستوی الثالث و الثانی فی الإتحاد الأوروبی قد بدأت بإحیاء محادثاتها مع دمشق من أجل إعادة العلاقات السیاسیة و الدیبلوماسیة و قد أعلنوا أنهم سیرسلون دیبلوماسییهم إلی سوریة فی القریب العاجل.و أحیاناً سمعتم أن کافة الدول الأوروبیة قد أقامت اتصالات أمنیة مع الحکومة السوریة و أعلنت عن معارضتها للتغییر السیاسی فی سوریة عن طریق استخدام القوة أو عن طریق المحوریة السیاسیة للدول الأجنبیة، و بالتأکید سمعتم عن اتصالات قطر و ترکیة بالحکومة السوریة بذریعة المساعدة بتحریر المخطوفین اللبنانیین و الطیارین الترکیین. إن هذه الأحداث تصور لنا بشکل واضح مستقبل الأزمة السوریة. کل هذه الأمور هی فی الواقع اعتراف غربی علی أنهم لا یمتلکون قدرة التغییر فی سوریة حتی فی إطار الإتفاق الدولی و الإقلیمی الذی حصل ،و فی النهایة قد أجبروا علی التراجع رغم مرور 30 شهر و بالطبع تحمیل خسائر فادحة و ألم کبیر للشعب السوری المظلوم. إن هذا المشهد یشبه إلی حد کبیر التهدیدات العسکریة ضد سوریة خلال شهر أغسطس حیث لم تتمکن أمریکا فی ذلک الوقت أن تقنع أحداً بصحة منطقها و صوابیة قرارها. إن هذا الأمر قد انتهی فیما بعد علی شکل معارضة للهجوم العسکری علی سوریة بل انتهی بالإتفاق علی استمرار حکومة بشار الأسد و بالطبع فإن سوریة و جبهة المقاومة یستطیعون الآن وضع الشروط التی یریدونها من أجل إقامة العلاقات مرة ثانیة و فتح القنوات الدیبلوماسیة.
بالطبع فإن الأزمة السوریة ستستمر فی الأشهر الماضیة بشکل ما و لکن لم یعد هناک حدیث عن قرب سقوط بشار الأسد. إن ما حصل فط سوریة یحمل لنا دروساً : فالمقاومة لها کلفة عالیة إلا أن ثمارها حلوة جداً و ملیئة بالعزة و الکرامة، فی حین أن الإستسلام و الإعتدال کلفته أغلی و ثماره مرة نوعاً ما. إن من وقفوا فی وجهنا و تراجعوا أمام مقاومتنا سیزدادون جرأة مع تسامحنا و سیأتون إلینا محملین بآلاف الأعذار و الترجی و سیجعلون شروط الذل أکثر تعقیداً بالنسبة لنا،نعم لقد صمدنا لنستمتع بحلاوة النصر و نستفید من ثماره.
المصدر: قدس أونلاین