الوقت - منذ إندلاع الثورة الشعبية في البحرين عام 2011 سعى نظام آل خليفة المدعوم من قبل أمريكا وبريطانيا والسعودية إلى قمع هذه الثورة بشتى الوسائل من بينها إضطهاد المتظاهرين السلميين واعتقال المئات من السياسيين والناشطين الحقوقيين والكوادر المتخصصة في شتى المجالات لمنعهم من نيل حقوقهم المشروعة في الإصلاح السياسي والحياة الحرّة الكريمة.
ومن الإجراءات الأخرى التي إتخذتها سلطات المنامة محاولة بث الفرقة الطائفية بين أبناء الشعب البحريني لإظهار الثورة على أنها لا تمثل كافة شرائح المجتمع، بالإضافة إلى التعتيم الاعلامي الذي إنتهجته هذه السلطات للتغطية على إنتهاكاتها المستمرة بحق المعتقلين والتي شملت التعذيب النفسي والجسدي الشديد والاتهام بالارتباط بدول أخرى خصوصاً إيران، وكذلك محاكمة السجناء المدنيين في محاكم عسكرية تفتقد إلى أبسط وأهم ضمانات العدالة. ومن بين هؤلاء السجناء العديد من البرلمانيين السابقين والكثير من علماء الدين والأطباء والحقوقيين والنساء ومن هم دون سن 18 عاماً.
وبعد أن أيقن نظام آل خليفة بأن هذه الأساليب لم تجدِ نفعاً لوقف ثورة الشعب البحريني عمد إلى إعتقال الرموز الدينية والوطنية أو إسقاط الجنسية البحرينية عنهم وفي مقدمتهم آية الله الشيخ عيسى قاسم القائد الروحي الذي دعا إلى الإصلاح بالموعظة الحسنة واتباع الطرق السلمية.
وكان الهدف من إستهداف الشيخ قاسم هو عزل الشعب البحريني عن قيادته الروحية للثورة، إلاّ أنّ هذا الإجراء المتهور وغير الحكيم كان بمثابة سلاح ذي حدّيْن، لأنه وإن تمكن مؤقتاً من عرقلة حركة الثورة إلى حد ما، لكنه ساهم في الحقيقة برفع مستوى الغضب الجماهيري والذي ربّما يتصاعد في المستقبل ويصل إلى مديات أوسع بينها اللجوء إلى العنف لتحقيق المطالب المشروعة بعد أن إستنفد المتظاهرون كافة الوسائل السلمية لنيل هذه المطالب.
وعلى الرغم من مرور أربعة أشهر على محاولة إعتقال الشيخ عيسى قاسم من قبل السلطات البحرينية، إلاّ أن هذه السلطات لم تتجرأ حتى الآن على تقديمه للمحاكمة رغم تعيين موعد لإجراء هذه المحاكمة عدّة مرات كان آخرها قبل يومين والتي تم تأجيلها أيضاً لأسباب غير معلومة سوى الزعم بأن مقدمات هذه المحكمة لم تكتمل بعد ومن بينها الإستماع لشهود النفي والمرافعة.
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على شعبية الشيخ قاسم والمحبوبية الكبيرة التي يتمتع بها في البحرين، كما يدل على أن سلطات المنامة تخشى من محاكمة هذه الشخصية العلمائية لإدراكها بأن ذلك سيؤدي إلى تصاعد الغضب الجماهيري إلى الحد الذي لا يمكن السيطرة عليه خصوصاً مع التحذيرات الكثيرة التي أطلقها الكثير من الشخصيات الحقوقية والمنظمات الانسانية في الداخل والخارج في هذا المجال.
ويعتقد الكثير من المحللين والمراقبين بأن محاكمة الشيخ قاسم ستكون في حال إجراءها بمثابة صبّ الزيت على النار لأنها ستدفع الشعب البحريني إلى إتخاذ إجراءات تصعيدية ربما تصل إلى حد إستخدام العنف للتعبير عن غضبها، وهذا الأمر لا يصبّ بالتأكيد في مصلحة سلطات آل خليفة.
في هذا السياق حذّرت مختلف أحزاب المعارضة البحرينية من بينها "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" و"إئتلاف الرابع عشر من فبراير" من إمكانية القيام باجراءات غير مسبوقة بينها اللجوء إلى العنف لإرغام سلطات آل خليفة على إحترام إرادة الشعب وإطلاق سراح المعتقلين والكفّ عن إستهداف الرموز الدينية والوطنية وفي مقدمتهم المرجع الديني آية الله الشيخ عيسى قاسم.
وامتدت التحذيرات إلى خارج البحرين خصوصاً من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران ومحور المقاومة في المنطقة لاسيّما "حزب الله" في لبنان و"التيار الصدري" في العراق و"حركة أنصار الله" في اليمن، مشددة على ضرورة الكفّ عن تجاوز الخطوط الحمراء من قبل سلطات المنامة لاسيّما مواصلة إستهداف الشيخ عيسى قاسم وباقي الرموز الدينية والوطنية التي تدافع عن حقوق الشعب البحريني بالطرق السلمية.
كما حذّرت الكثير من المنظمات الانسانية والحقوقية العالمية من خطورة الإستمرار بقمع ثورة الشعب البحريني ومواصلة إعتقال رموزه وكوادره، معربة عن إعتقادها بأن الأوضاع في البحرين قد تخرج عن السيطرة وبالتالي لايمكن التحكم بتداعياتها سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللواء "قاسم سليماني" قائد فيلق القدس التابع لقوات حرس الثورة الإسلامية في إيران كان قد حذّر في وقت سابق سلطات آل خليفة من مواصلة الضغط على الشيخ عيسى قاسم وباقي الرموز الدينية والوطنية في البحرين، مؤكداً بأن هذه الضغوط قد تؤدي إلى إندلاع ثورة مسلحة في البلاد لانتزاع الحقوق المشروعة بعد أن إستنفدت الجماهير كافة الوسائل السلمية لنيل هذه الحقوق.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الإستنتاج بأن سلطات المنامة التي إستعانت بالقوات العسكرية والأمنية السعودية لإخماد الثورة السلمية للشعب البحريني ولم تدع وسيلة قمعية إلاّ واستخدمتها لإسكات المعارضين، باتت تدرك جيداً بأن إستهداف الشيخ عيسى قاسم وباقي علماء الدين ومحاولة حرف الأنظار عن حقيقة ما يجري في البلاد لا يمكن أن يرغم المتظاهرين على التراجع، بل سيزيد من حدّة الثورة، وبالتالي لم يعد هناك أمام هذه السلطات من سبيل سوى الإفراج عن المعتقلين وإلغاء المحاكمات غير العادلة للرموز الوطنية وفي مقدمتهم آية الله قاسم واحترام إرادة الشعب والإستماع إلى مطالبه المشروعة في الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات العامة لاسيّما حرية التعبير عن الرأي قبل فوات الآوان وقبل حلول الندم حين لا ينفع الندم.