الوقت- في الوقت الذي أقدمت فيه محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بأكاديمية الشرطة بالتجمع الخامس برئاسة المستشار "مصطفى أبو طالب " على تبرئة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية السابق في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك من جميع التهم الموجهة اليه، بما في ذلك السرقة والرشاوي والتربح من خلال استغلال وظيفته وجمع مبلغ يصل الى 25 مليون دولار(يقدر بـ 181 مليون جنيه) والاستيلاء على أرض زراعية وعقارات وشقق وكسب غير مشروع وما الى ذلك من تهم ما أنزل الله بها من سلطان، مستغلًّا كونه من العاملين بالدولة ومن القائمين بأعباء السلطة العامة رئيسًا لجهاز أمن الدولة، ثم وزيرًا للداخلية، قامت محكمة مصرية أخرى وفي وقت لا يتجاوز اليومين عن قرار الأولى بإحالة أوراق 44 من قيادات حركة الاخوان المسلمين بينهم المرشد العام محمد بديع إلى مفتي البلاد لإدلاء رأيه في أحكام صدرت بإعدامهم بتهم ارتكاب العنف والتخريب والقتل والانتماء إلى جماعة إرهابية.
هي اذاً ازدواجية القضاء المصري وما الجديد في ذلك ؟ فالقضاء المصري الجديد في عهد السيسي يعد استمراراً للقضاء إبان حكم المخلوع حسني مبارك ، فتكال التهم هنا ويعتقل ناشطون هناك ويستمر مسلسل تبرئة المجرم وتجريم النشطاء والثوار، وما اعتقال رموز ثورة يناير الذي كان آخرها سجن الناشط المصري علاء عبد الفتاح إلا خير دليل على ذلك.
وإلى ذلك أيضاً يشهد السجل الإجرامي والاحتيالي لمبارك ونجليه وكبار معاونيه ورجال حكمه بصحة ما نقوله، فاللواء العادلي ( وزير داخلية مبارك) والذي أزهق أرواح المئات وبطش بالمتظاهرين اثناء الثورة المصرية (ثورة 25 يناير ) وأصدر الاوامر المباشرة بقتل العشرات من المصريين العزل في عدة ميادين في القاهرة ومحافظات أخرى كان من أهمها المجازر التي حصلت في ميدان التحرير والهجوم على المتظاهريين السلميين بالجمال والمدرعات، بات هذا المجرم اليوم بريئا مظلوما لا حول له ولاقوة ، ولا نستغرب بعد ذلك ان يطلب الدولة المصرية بتعويضات ورد اعتبار .... ولما لا نظنه أن فعل هذا الا سيناله في ظل وجود هكذا قضاء الذي أصبح يعرف بالمهزلة المصرية وليس القضاء المصري جراء قراراته التي باتت تسير حسب ما تشتهيه رغبة السيسي وجهاز حكمه. فأصبح من شبه المستحيل التمييز بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية في البلاد التي كلها أصبحت مرة جديدة بيد المؤسسة العسكرية بما يذكرنا بالشعر الذي يقول : “وهل أنا إلا من غزية إن غـوت, غويت، وإن ترشد غزيـة أرشد”.
فمهمة القضاء المصري اليوم باتت محصورة في ما تمليه إرادة العسكر وهي كالتالي: تبرئة رموز النظام السابق من كل التهم الموجهة اليهم ( وبراءة العادلي اليوم وقبلها مبارك ونجليه واحمد عز وغيرهم دليل واضح ) ومن ثم إدانة رجال الثورة المصرية والوصول الى حد إصدار أحكام بالإعدام لهم، وزج كل من يتفوه بكلمة معارضة لـ"لانقلاب العسكري"، او" الثورة الثانية " سمها كما تشاء فلسنا بوارد التسميات الآن ، في السجون ( نشطاء الاخوان الملسمين ونشطاء حركة 6 ابريل وووو ) ، وإلى جانب هذا مطلوب من القضاء المصري اليوم تفصيل القوانين حسب الطلب العسكري (ولنا في قانون منع التظاهر ومكافحة الإرهاب واعتبار حماس حركة ارهابية وهدم البيوت المجاورة لقطاع غزة وما الى ذلك خير مثال ) .
اذا نستطيع القول اذا سلمنا بأن الثورة المضادة الحاكم الفعلي للدولة الآن، فيكون من الطبيعي في ظل حكمها أن يدخل الثوار إلى السجون ويخرج القتلة واللصوص إلى الحياة العامة ليزدادوا ثراءً وفسادًا، فقرار براءة العادلي سطر شهادة وفاة جديدة لثورة 25 يناير. فقبل 28 يناير كانت يوجد لدى الشعب المصري الثائر آنذاك قناعة راسخة بأن الثورة إن لم يكتب لها النجاح فسيعاقبون جميعًا أشد العقاب على تفكيرهم بالقيام بالثورة، أما الآن فقد تبين انه وعلى الرغم من نجاح ثورة 25 يناير اتت ما سمي " ثورة اخرى " أحرقت الاولى وأصبح لدينا فعل من قبل الشعب المصري هي ثورة يناير، وأتى بعدها ردة فعل من قبل المؤسسة العسكرية هي الانقلاب المعروف ، ومن قوانين الطبيعة أن يكون لكل فعل رد فعل يعاكسه بالاتجاه وبالتالي يعمل على إخماده وببساطة هذا ما يحصل للثورة المصرية الآن، ولكن يبقى لدينا فسحة أمل على أن فعل الشعب المصري أكبر قيمة وقدراً وأعلى شأنأً وبالتالي يستطيع سحب مجريات الامور الى جانبه ..ولما لا ؟ فالأيام القادمة تخبئ المزيد من المفاجئات.