الوقت- لم تكن زيارة رئيس الفلبين الأخيرة للصين، أمراً اعتيادياً بالنسبة لأمريكا التي تغرق في أزماتها في الشرق الأوسط وعينها على منطقة جنوب شرق آسيا. فالرئيس الفلبيني الذي قدم أوراق اعتماده للصين نهاية الشهر الماضي، أحدثت تصريحاته ومواقفه ضجة ما تزال تُلقي بآثارها على السياسة الدولية لكلٍ من الصين وأمريكا. وهو ما دفع صحيفة "لوموند" الفرنسية بالأمس، بالإضافة الى العديد من الصحف الأخرى، لوصف الفلبين بأنها باتت تُشكل ذعراً للسياسة الأمريكية. وهو الأمر الذي جاء ضمن الحديث الغربي عن أهم تحديات الإدارة الأمريكية الجديدة. فيما جاءت مسألة منطقة الهادئ ضمن الأولويات، لما يُشكلة بحر الصين من أهمية استراتيجية للدول. فماذا في التحول في العلاقة بين الصين والفلبين؟ وكيف تعاطت واشنطن مع مصالحها في بحر الصين الجنوبي؟ وماذا يعني التحول الفلبيني؟
الصين والفلبين والتحول نتيجة المصالح المشتركة
تحولات عديدة حصلت خلال الأسبوع الماضي يمكن سردها بالتالي:
أولاً: فاجأت الصين بموقفها الغرب عندما أعلنت توقف بناء القواعد العسكرية في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع الفلبين. وهو الأمر الذي شكل نقطة استغلالٍ أمريكي وغربي، لدفع الدول لا سيما الفلبين لرفع دعوى ضد الصين. في حين اعتبرت الصحف الغربية أن التحول الصيني يدل على احترام صيني للقواعد الدولية، وينمُّ عن قدرة تمتلكها الصين لكسب جيرانها.
ثانياً: ردَّ الفلبين بالتوقف عن المطالبة بسيادتها على منطقة "سكاربورو" والتي تقع على الحدود البحرية بين الدولتين. في حين كانت المفاجأة الأكبر، توجه الرئيس الفلبيني الى الصين واستقباله بشكلٍ رسمي. وجاءت بعد ذلك تصريحاته ضد أمريكا، والتي فسرها البعض بالإنفصال عن الحلف الأمريكي.
ثالثاً: خرجت الدول الغربية لتطالب الرئيس الفلبيني بتوضيح تصريحاته. خصوصاً أن انعطافته سيكون لها آثار مباشرة على المصالح الأمريكية بشكل سلبي، وستخدم المصالح الصينية الروسي بشكل كبير.
امريكا والتحسُّب للخطوات الفلبينية: ترقبٌ وحذر
عدة نتائج يمكن استخلاصها من الخطاب الغربي، وتحليلها على الشكل التالي:
- التخوف الأمريكي الحالي هو من ارتفاع النفوذ الصيني في المحيط الهادئ والذي بات يُشكل نقطة قلقٍ للأمريكيين الذين لم يجدوا سبيلاً للتعاطي مع ذلك إلا من خلال تحريض جيران الصين الحلفاء لأمريكا. وهو ما كانت الفلبين أساساً له، خصوصاً بعد دفعها لتحويل قضيتها للمحاكم الدولية.
- إن المشكلة التي تعاني منها أمريكا اليوم هي نفسها نقطة القوة التي تمتلكها الصين. فقد دعمت واشنطن الجهود الفلبينية، وذلك بهدف جعلها عقبة أمام التمدد الصيني. خصوصاً أن نصف الشحنات التجارية في العالم تتدفق عبر هذا البحر.
- إن السياسة التي تنتهجها الصين مع جيرانها، تعتمد على أسس يمكن أن تدفع بجيرانها نحوها، خصوصاً أن الحاجة للصين في محيطها مُلحة. وهو ما قد يدفع الدول الى التحوُّل نحو الصين على قاعدة تبادل المصالح، مما يُساهم في تحقيق الصين لهدفها الأساسي وتحويل مياه بحر الصين الجنوبي الى "بحيرة صينية".
الصين وحاجة الفلبين لها
في الوقت الذي تسعى فيه الصين لتحقيق هدفها بالسيطرة على الممر البحري الأهم للتجارة العالمية، تسعى الفلبين من خلال تعاونها مع الصين لتحقيق عدة أهداف أساسية:
أولاً: على الصعيد الإقتصادي يمكن أن تكون الصين سوقاً هامة لمنتجات الفلبين خصوصاً الزراعية. وهو ما سيساهم في فتح الأسواق الصينية أمام المنتجات المحلية. فيما ستُقدم بكين الدعم المالي والتقني من أجل تطوير البنية التحتية الفلبينية، خاصة في قطاع السكك الحديدية لربط الشمال بالجنوب. وهو ما تعهّدت به الصين عبر تقديمها قروضاً ميسّرة وطويلة الأجل. مما سيسمح أيضاً لإيجاد تعاونٍ مشترك تُديرها شركاتها الإستشارية القادرة على تقديم الخبرات الفنية.
ثانياً: السماح للفلبين بالإستفادة من منطقتها البحرية لا سيما خليج "سكاربورو" والذي سيطرت عليه الصين سابقاً. وهو ما أبدت بكين ليونة في التعاطي معه بعد توقف عملها في بناء القواعد العسكرية هناك. مما سيساهم بعودة قطاع الصيادين للعمل.
ثالثاً: على الصعيد الإجتماعي، أبدت الصين استعدادها لبناء مركز طبي خاص لمعالجة مشاكل إدمان المخدرات وتأهيل المدمنين ومساعدتهم على الشفاء من مرض الإدمان. وهو ما سيحل المشكلة الإجتماعية الأبرز والتي تتعلق بالمخدرات وسياسات القتل التي تعمد لها الدولة للتخلص من هذه الظاهرة.
التحول الفلبيني وبداية انتهاء الحلم الأمريكي!
لن تكون مسألة إدارة التحول الفلبيني نحو الصين، أمراً سهلاً على الإدارة الأمريكية الجديدة للأسباب التالية:
أولاً: تتعاطى الصين بسياسة ذكية مع جيرانها وهو ما لا تستطيع واشنطن فعله لأسباب عديدة أهمها الجغرافيا السياسية الى جانب عقليتها البراغماتية. في حين تمتلك الصين القدرة على تأمين حاجات جيرانها والحصول على ما تريد، خصوصاً في حال استطاعت إقناع الدول المجاورة بأن نتيجة تحويل بحر الصين الجنوبي الى ممرٍ تُسيطر عليه الصين سيكون مكسباً للجميع.
ثانياً: لا يوجد ما يجمع أمريكا وهذه الدول، سوى بعض المصالح التي لا تشكل أولوية لهذه الدول المجاورة للصين. في حين تعتبر الصين منبعاً وفرصة لتقدم هذه الدول. وهو ما تُثبته سياسة واشنطن منذ البداية والتي قامت على ابتزاز الصين بجيرانها ليس أكثر. مما يعني أنها لا تمتلك أوراق أخرى.
لا شك أن التحديات كثيرة أمام الرئيس الأمريكي الجديد. وفي كل تحدٍ ستُغرقه التفاصيل، حيث أن سياسات واشنطن المبنية على الخداع لم تعد تنفع بل إن تغير التوازنات أدخل الجميع في مرحلة إعادة الحسابات. لكن واقع الدول كالصين بات يُقلق أمريكا أكثر من أي وقتٍ مضى. لنقول أن الرئيس الأمريكي الجديد هو أمام تحدٍ صعب، يكمن في إمكانية إدارة التحوُّل الفلبيني نحو الصين. الأمر الذي يبدو شبه مستحيل.