الوقت- مظاهرات واحتجاجات كلمة توصف المشهد التركي الان. هذه المرة لم تقتصر تلك المظاهرات على الشارع بل تعدتها الى داخل قبة البرلمان ووسائل الاعلام منددة بحزمة القرارات التي بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية اقرارها. حيث نظمت أحزاب المعارضة تلك الاحتجاجات مطالبة بسحب مشروع القانون المعروف لدى الرأي العام باسم “حزمة الأمن الداخلي” والذي تضمّن كثيراً من المواد التي اعتبروها مخالفة للحريات وحقوق الإنسان.
وتتضمن حزمة الأمن الداخلي أحكاماً جدلية، حيث إنها تخوّل الشرطة القيام بعمليات اعتقال دون قرار من المدعي العام الى جانب إعطاء صلاحيات مطلقة لحكام الولايات وقائم مقام البلدات صلاحيات واسعة و أحقية وضع اليد على أموال خاصة كما كان الحال في أجزاء كبيرة من جنوب شرق تركيا، عندما كانت تُدار تحت قانون الطوارئ بين عامي 1987 ونوفمبر/تشرين الثاني 2002، والى جانب إعطاء الاستخبارات الحق في التنصت بداعي الوقاية على من تشتبه به، بالإضافة إلى إعطاء القوى الأمنية حق إبعاد أو ترحيل أي مواطن إلى منطقة أخرى، والسماح لقوى الأمن باستخدام الأسلحة النارية إذا كان هناك متظاهرون يلقون قنابل مولوتوف.
الحكومة تعتبر الحزمة الأمنية التي تنوي تمريرها عبر البرلمان إجراء ضامنا لاستقرار المجتمع ونقلة نوعية باتجاه تكريس مدنية الدولة، بينما تراها المعارضة وفي مقدمتها أكبر ثلاثة أحزاب معارضة داخل قبة البرلمان التركي محاولة جديدة لتعزيز نفوذ الحزب الحاكم، ومزيدا من القيود على حرية التعبير حيث تعتبر أن الحزمة تعيد إلى الأذهان الأحكام العرفيّة التي تم إصدارها على وجه الخصوص لتخويف المعارضة الاجتماعية. وتحذر من مساعي الحكومة الرامية إلى الحيلولة دون تنظيم أي مظاهرات أو احتجاجات عقب دخول مشروع قانون الحزمة حيز التنفيذ قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 7 يونيو/ حزيران المقبل.
وفي سياق متصل استطاع النواب المحسبون على حزب العدالة والتنمية تمرير جزء من حزمة الأمن الداخلي المكوّنة من 132 مادة والمطروحة حاليًا على جدول أعمال البرلمان منذ أسبوعين والتي تم إقرار 33 مادة منها في الجلسات العامة حتى الآن.
انقسام في تركيا بين مرحب ومندد بالخطة الأمنية
المعارضة التركية انتقدت الحزمة الامنية التي توحدت ضدها و قال جلال دينتشر نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة إسطنبول إن الحزب الحاكم يرغب في تخويف جميع المعارضين له من أجل البقاء في السلطة، وفي حال إقرار هذه الحزمة سيتم اعتقال كل من يعلن عن فكر جماعيّ يزعج الحكومة دون تحقيق قضائي.
من جهته، أكد حزب الشعوب الديمقراطي (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) المعارض للحزمة، أن إصرار الحكومة على تمريرها بدأ يعرقل جهود عملية السلام الرامية لإيجاد حل نهائي للقضية الكردية في تركيا.
وأوضح أرول دورا نائب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي أنّ هذا المشروع لا يشجع على عنف الدولة فحسب، بل أيضًا لديه القدرة على إلغاء الدعاوى القضائية الموجودة حاليًا كما أن معارضي الحكومة سيصبحون ضحية للعنف ضدهم.
من جانبه قال نور الدين شاهين العضو في مؤسسة التعليم في أنقرة: يريدون تحويل تركيا إلى دولة دكتاتورية وتحويل الجمهورية إلى دولة أمنية، ونحن نعارض سياسات الحكومة الداخلية والخارجية أيضاً وآخرها التدخل السافر في أراضي الجارة سوريا، ونتظاهر أمام البرمان لإيصال رسالة لنواب البرلمان للمطالبة بالعدول عن القرارات الأمنية والتوقف عن خلق الأعداء لتركيا.
مواجهة جديدة فرضتها "الحزمة الأمنية" بين حزب العدالة والتنمية الحاكم مع أحزاب المعارضة التي توحدت بمختلف مشاربها على رفض هذه الحزمة.ونزاع متواصل على العديد من الملفات الخلافية بدءاً من التضييق على الحريات مروراً بقضية التنصت، وصولاً إلى التدخل سلبا في الحرب على سوريا.
وعلى الضفة الاخرى وقف اوردغان ورجال حكمه. حيث رأى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أن "أحزاب المعارضة التي تريد منع صدور القانون، حوّلت البرلمان التركي في الأيام الأخيرة إلى مسرح للأفعال العنيفة، التي لن تستطيع تبريرها أمام الأمة وأثارت الشغب مرتكبة سلوكيات لا تليق بوقار ورزانة البرلمان التركي".
وأشار داود أوغلو إلى أن حزمة القوانين التي قدّمها حزبه، ستلقى مصادقة البرلمان، لأنها تهدف لتعزيز السلام في ربوع البلاد، وحماية الحريات العامة، ومكافحة المخدرات، وقال: "لقد اجتزنا مرات عديدة الكثير من الاختبارات، وسنجتاز هذا الاختبار أيضاً".
هذا الأمر أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطابه في ولاية إيلازغ جنوب شرقي البلاد، موجّهاً انتقادات شديدة للمعارضة بالقول: "إن مسؤوليتكم كنواب للمعارضة أن تصنعوا القوانين في البرلمان وليس أن توقفوها، بطريقة أو بأخرى سيتم تمرير الحزمة"، مستغلاً الخلاف الذي شهده البرلمان التركي بين النواب كسبب إضافي للتأكيد على رؤيته بضرورة التحوّل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
الشارع التركي يندد بما اعتبره قرارات فاشية
وفي سياق متصل نظم العديد من المواطنين الاتراك مظاهرات في عدة مناطق في البلاد ، احتجاجاً على إصرار حكومة «العدالة والتنمية» على إقرار حزمة الأمن الداخلي بالبرلمان.واندلعت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين بعد رفضهم فض بعض الاحتجاجات، وقالت إن قوات الشرطة استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع، ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين الذين استخدموا قنابل المولوتوف والألعاب النارية والكرات الحديدية في المقابل.
الوضع في الشارع التركي لم يكن بعيداَ عما يجري داخل قبة البرلمان حيث شهدت النقاشات الدائرة موجات شد وجذب بين النواب الأتراك، إلى درجة شهد البرلمان فيها عراكاً بالأيدي بين نواب حزب "العدالة والتنمية" ونواب الأحزاب المعارضة في جلستين متتاليتين ، أسفر العراك الأول عن جرح خمسة نواب من المعارضة، والثاني في كسر ضلع أحد نواب "الشعب الجمهوري".
وجاءت هذه الحزمة رداً من الحكومة التركية على المظاهرات الواسعة، التي رافقت الاحتجاجات التي دعت إليها المعارضة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمساندة مدينة عين العرب السورية.فهل تستمر هذه القرارات باشعال النار في الداخل التركي والتي لم تخمد بعد؟