الوقت- تزايدت في الآونة الأخيرة النقاشات حول جدوى وجود السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تصاعدت فيه حالة الإحباط لدى العديد من قيادات السلطة من أنها لم تعد قادرة على تحقيق ما تخطط له وخصوصا ما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية، لاسيما بعد أن أفرغ الكيان الاسرائيلي مشروع التسوية من محتواه وألغى دور السلطة عملياً، وأبقاها مجرد واجهة في الأطر التي يرتضيها الاحتلال.
وجرى الحديث في هذه الفترة أيضاً عن احتمال انهيار السلطة لوجود معطيات اقليمية ودولية تشجع على هذا الاحتمال، وهذه ليست المرة الاولى التي يجري فيها مثل هذا الحديث وربما لن تكون الاخيرة.
وحسب التوقعات فان السلطة الفلسطينية قد تقرر حل نفسها او وقف تعاونها الامني مع الكيان الاسرائيلي لدى اجتماع المجلس المركزي مطلع الشهر المقبل، مع استمرار الحصار المالي الخانق الذي تعانيه اسرائيلياً وعربياً ودولياً.
والقلق الذي تبديه بعض الاطراف لاسيما الجانب الامريكي من احتمال انهيار السلطة لا ينصب بطبيعة الحال على مصير الفلسطينيين الذين يواجهون خطر الموت جوعاً؛ بل على الاثار السلبية المحتملة على الكيان الاسرائيلي.
اما بالنسبة للفلسطينيين، فانهم لا يشاركون الادارة الامريكية قلقها من احتمال انهيار السلطة، لأن احوالهم لا يمكن ان تسوء أكثر مما وصلت اليه بالفعل، وهم يفضلون المقاومة الشاملة بكافة السبل المتاحة التي تكفلها القوانين الدولية والشرائع السماوية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
والسؤال المطروح: لماذا تخشى الادارة الامريكية ومعها الكيان الاسرائيلي من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية؟
جواب هذا السؤال يكمن في معرفة الخدمات التي قدمتها ولا زالت تقدمها السلطة الى الكيان الاسرائيلي لاسيما في الجانب الأمني، فهناك معلومات مخابراتية يتم تبادلها بين الطرفين لتنفيذ عمليات المطاردة والمداهمات لمنازل المقاومين الفلسطينيين. وقد أكد بعض المعتقلين الذين تم التحقيق معهم في معتقلات السلطة ثم اعتقلوا بعد ذلك من قبل الكيان بأنهم وجدوا محاضر التحقيقات التي أجرتها معهم السلطة لدى سلطات الاحتلال، الأمر الذي يؤكد وجود التعاون الأمني الكامل بين الجانبين.
ومن الناحية السياسية وصل الأمر برئيس السلطة محمود عباس الى حد المشاركة فيما أطلق عليه "مؤتمر اسرائيل للسلام" في مدينة "تل ابيب" العالم الماضي دون أدنى مراعاة لمشاعر الشعب الفلسطيني ومعاناته.
ولم تكن السلطة في يوم من الأيام نصيراً لمقاومة الشعب الفلسطيني في اشد الظروف المأساوية كتلك التي تعرض لها هذا الشعب على يد الكيان الاسرائيلي خلال عدوانه الاخير على غزة والذي ادى الى استشهاد المئات من أهلها وجرح وتشريد وتدمير منازل آلاف آخرين.
ويعلم الجميع أن السلطة الفلسطينية سعت بكل جهدها لإنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني المتمثلة بحركة حماس وباقي الفصائل المقاتلة، ووصل بها الحال الى أن تقف ضد التظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر في الضفة الغربية لمساندة المقاومة في غزة خدمة للكيان المحتل.
والسلطة الفلسطينية عجزت طيلة السنوات الماضية عن فك ارتباطها بالكيان الاسرائيلي ودعت الى تطبيع العلاقات معه الى جانب مساعيها الرامية الى تضييق الخناق على المقاومة كي تميل الكفة لصالح هذا الكيان.
والكل يعلم أن السلطة الفلسطينية امريكية الهوى، وأمنها ينسق مع الامن الاسرائيلي، وهي تقدم للاخير خدمات جليلة ابرزها حماية المستوطنين، ومنع اي مقاومة ضد الاحتلال. وقد قامت اجهزتها الأمنية بشن حملة اعتقالات في صفوف المقاومين بينهم قياديون وكثير من الأسرى المحررين من سجون الاحتلال. واتهمت حماس السلطة عدة مرات باستهداف عناصرها في الضفة وتعريضهم للاعتقال والتعذيب.
ولم يترك الكيان الإسرائيلي أي خيارات للسلطة سوى المزيد من الاشتباك مع فصائل المقاومة من أجل تحسين شروط التفاوض، خصوصاً بعد أن أبتليت السلطة بالفساد الإداري والمالي، وباتت مرتهنة للمعونات الدولية، والبحث عن رفاه كاذب تحت ظل الاحتلال.
وعرف عن رئيس السلطة تفرده الدائم باتخاذ القرارات التي تهم الشعب الفلسطيني بعيداً عن فصائله المقاومة ، بل وحتى بمنأى عن منظمة التحرير التي تعمل معه. وتابعت السلطة طوال 17 عاماً اللهاث خلف ما يسمى " حل الدولتين " غير أنها لم تحقق أي شيء من ذلك على ارض الواقع.
والأمر الاكثر غرابة ومرارة هو ما تقوم به السلطة وشخص رئيسها بين الحين والآخر بإتهام المقاومة بانها هي التي تعرقل مفاوضات التسوية مع الكيان المحتل، وهذا بحد ذاته يمثل خيانة عظمي للشعب الفلسطيني المظلوم وجهادة المستمر ضد العدوان لاستعادة حقوقه المغتصبة في الارض والوطن.
ويرى المراقبون أن السلطة الفلسطينية بوضعها الحالي قد استنفدت أغراضها، ولم تعد الوسيلة الممكنة لإنشاء الدولة الفلسطينية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الاراضي المحتلة، كما لم تعد ذراعًا لمنظمة التحرير بقدر ما أصبحت ذراعًا للاحتلال بضربها لقوى المقاومة وملاحقتها، وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب الفلسطيني.
وفي الختام لابد من القول أن المأزق الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية لن يُحَل ما لم تعد الى الصف الفلسطيني وتلتحق بفصائله المقاومة وتشترك معها في التصدي للمحتل رغم الرهانات الامريكية والاسرائيلية الرامية الى تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني والتي عملت السلطة على إنجازها وتحويلها الى واقع لتصفية القضية الفلسطينية.
وعلى السلطة أن تدرك جيداً بأن مصلحة جميع الفلسطينيين هي في التلاحم واستعانة كل فريق فلسطيني بنقاط قوة الفريق الآخر بغية إنتزاع اكبر قدر ممكن من الحقوق الفلسطينية الضائعة من خلال الصمود، والاصرار على هذه الحقوق بمواصلة الجهاد ضد الكيان الاسرائيلي الذي يدرك قبل غيره, خطورة المصالحة الفلسطينية علي وجوده ومخططاته.