الوقت- منذ سنوات عديدة والكلام عن الصراع العربي -الغربي خرج عن تاريخه المعهود. ولم يعد عرب "عبدالناصر" و "الشريف حسين" و"الملك فيصل" وغيرهم كما كانوا عليه في السابق.
فبعدما كان عبد الناصر يقاتل حتى الشهادة في حرب تشرين انتقل السادات ليتفق مع الكيان الصهيوني وثم مبارك لبناء علاقات دبلوماسية مصرية -اسرائيلية، وبعدما اخرج الشريف حسين والملك فيصل الاحتلال التركي من الدول العربية اصبح الامير السعودي اليوم سلاح اسرائيلي امريكي يضرب الحكومة السورية الممانعة، و لكن الملفت في الامر اكثر من ذلك ان الصراع العربي الاسرائيلي تحول لعلاقات سعودية اسرائيلية، وانطلقت السعودية نحو صراع جديد وعدو جديد سمي بالصراع العربي الايراني.
و قد تجلى هذا الصراع في الايام الماضية ليبرز جليا بتصرفات المخابرات السعودية، فهل اصبحت المخابرات السعودية سلاحا امريكيا اسرائيليا يحارب به الغرب الجمهورية الاسلامية الايرانية؟ وهل يصبح الخليج الفارسي، نقطة الاشتراك الوحيدة بين السعودية و ايران؟
الواضح من التاريخ الحديث ان الصراع العربي - الإيراني يكتسب وضوحا لم يكن ظاهرا قبل الثورة الاسلامية الإيرانية. وأصبح من الواضح ايضا ان أطرافا عربية تسير في هذا الطريق وتعتبره مسعاها الرئيسي، وإن بدا بوضوح ان امريكا، تتبنى بقوة الاتفاق مع الحكومة الايرانية للخروج من الازمة النووية الايرانية الحالية. لكن الايام الاخيرة اثبتت ان عناصر الممانعة التي تقف بوجه "الحلحلة" السياسية توقعها بصمات سعودية اسرائيلية.
وقد وصل امر العلاقات الخفية بين الكيانالاسرائيلي و السعودية الى حد كبير، حتى كتبت صحيــفة "اســيا تايمــز" في عدد سابق لها ان الانفجار الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في السنوات الماضية، تم نتيجة تنسيق بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات السعودية. ولهذا فإن دول الغرب لم تصف هذا الحــدث أبــدا بأنــه عمــل إرهــابي واكتفت بتسميته بالـ"تفجير" وقد وصفت "آسيا تايمز" هذا العمل بأنه "عمل أداه ال سعود الليكودي"، في اشارة صريحة الى امتزاج "الليكود" الاسرائيلي مع عائلة ال ســعود.
وفي الوقت نفسه فإن السعودية تريد ان تجنب الكيان الاسرائيلي حالة الغربة التي يشعر بها في الشرق الاوسط. ولهذا لا تحاول السعودية ان تنفي بكل قوتها الاعلامية اقترابها من الكيان الاسرائيلي بل إنها تؤكده من خلال تصريحات يدلي بها الديبلوماسيون السعوديون في العواصم الغربية من دون تحديد لهوياتهم. ولقد لجأت السعودية الى استخدام سلاح المال لمساعدة مصر لإجبارها على اتخاذ موقف ولاء للسعودية، فلا يكون من الصعب على مصر في هذا الموقف ان تناهض إيران وتقاوم دورها في الشرق الاوسط.
ولا يمكن إغفال ما يمكن ان يسفر عنه هجوم الكيان الاسرائلي غير المحدود على محاولة الاتفاق بين طهران وواشنطن، حيث وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بانها " خطأ تاريخي". ولا يزال الكيان الاسرائيلي يبذل اقصى ما بوسعه لمعارضة الاتــفاقية باعتــبارها انتـصارا ايرانيا على امريكا والغرب.
وحتى يتضح الواضح وتبرز النوايا السعودية، قال مصدر مطلع على السياسة السعودية ان رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان ابلغ مبعوثين اوروبيين ان المملكة ستجري تغيرا كبيرا في علاقتها مع امريكا احتجاجا على محاولاتها للتقارب مع إيران.
وذكر المصدر ذاته ان الامير بندر قال ان واشنطن تتقارب مع ايران ولم تؤيد دعم السعودية للبحرين عندما قمعت الحركة الاحتجاجية المناهضة لحكومة ال خليفة عام 2011، ولم يتبين على الفور ما اذا كانت التصريحات المنقولة انذاك عن الامير بندر تحظى بتاييد كامل من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز.
حقيقة الخلاف السعودي - الإيراني، تختصر بالموقف من الازمة السورية، فالسعودية ترى أن سورية ساحة المعركة الأساسية مع إيران، حيث تجرأت فيها، واقتحمت العمق الاستراتيجي السعودي. وتعتبر السعودية ان الساحات الأخرى محسومة مسبقا، فالبحرين حسمت فيها الرياض المعركة قبل أن تبدا، رغم كل المطالب الشعبية البحرينية، وكذلك في اليمن حيث برز الدعم الايراني للحوثيين، وتعتبر السعودية ان النظام الاسدي لم يعد سوى مجرد تابع لطهران التي تقاتل بالنيابة عنه وتحميه، وانتصاره في المعركة القائمة حاليا تجعله تابعا للسياسة الايرانية.
والواضح ان السعي الايراني لمساعدة حركات المقاومة والممانعة في منطقة الشرق الاوسط لا يروق للسياسة السعودية الخارجية الساعية لحماية المصالح الاسرائيلية في المنطقة. لذلك كان السعي السعودي للوقوف بوجه القدرة الايرانية لكي لا تصل ايران الى قدرة تجعلها المحرك الاساسي لدول الشرق الاوسط، فهل تستطيع السعودية الوقوف بوجه تطور القدرات المتسارعة الايرانية؟ ام ان السعودية ستفشل في اتمام المهمة الاسرائيلية الموكلة اليها خارجة من الصراع بخفي حنين. كمن "خرج من المولد بلا حمص" كما يعبر المثل الشعبي؟