الوقت - حول قيام النظام في البحرين بإسقاط الجنسية البحرينية عن أكبر العلماء البحرينيين الشيخ عيسى قاسم ومن ثم السعي لمحاكمته بتهم غريبة ومبتدعة، والحرّاك الشعبي الذي نتج كردة فعل عن هذه الخطوات وما قد تؤول إليه الساحة البحرينية مستقبلاً كان لنا حوار مع الباحث وعالم الدين البحريني الشيخ "علي الكربابادي" والذي جاء في تفاصيله:
الوقت: برأيكم ما الهدف من السعي لمحاكمة الشيخ عيسى قاسم بعد إسقاط الجنسية عنه وهو عالم كبير من علماء البحرين؟
الشيخ الكربابادي: "النظام في البحرين يعاني من أزمة الشرعية فهو قبل دخوله منذ 230 سنة أو أكثر ولم ينل الشرعية في يوم من الأيام، إلا في الفترة التي شارك فيها الشيخ عيسى قاسم في البرلمان السابق والذي تم حلّه بعد ذلك، وكان الشيخ من ضمن الذين كتبوا الدستور العقدي الوحيد في تاريخ البحرين، والذي انقلب عليه الأمير السابق وحلّ البرلمان وعطّل العمل بالدستور، لذا بات النظام يعيش أزمة دستورية ومقبولية من قبل شعب البحرين، بالإضافة إلى ذلك فإن العلماء وعلى رأسهم الشيخ عيسى قاسم يمثلون الواجهة للمطالب الشعبية المحقة ويمثل الحاجب ضد الظلامة التي يفرضها النظام في البحرين، كما يمثل المطالبة بالحقوق الدستورية والحرّيات الدينية والحريات العامة، لذا من الطبيعي أن الطرف الآخر لا يريد هكذا شخصية حرّة بما تمثله ويعمل على إخفات صوتها بشتى الوسائل المتاحة له."
الوقت: الإمام الخامنئي ذكر منذ فترة ان الشيخ عيسى قاسم هو من يحول دون قيام تحركات متشددة في الوسط البحريني، فما الذي لا تدركه السلطات البحرينية في ذلك بإزاحته شخصية محورية كهذه؟ وهل من الممكن أن نشهد خروج الحراك عن طبيعته السلمية فنرى أشكال احتجاج جديدة متشددة أكثر مثلاً؟
الشيخ الكربابادي: "السلطة في البحرين لا تنتهج سلوكاً عاقلاً في إقداماتها، وإنما تمضي في طريق مسدود لا أفق فيه، فهي ترتهن بالقرار الخارجي وبالذهنية الطائفية والعقلية التي تدير هكذا أزمات في المنطقة، كأنما تلجأ هذه السلطة وللحفاظ على بقائها بمسايرتها لهذا التوجه الخارجي، لأن مثل هذا التعنت ومواجهة الشعب بأكمله واستهداف الغالبية السكانية من الشعب البحريني وعدم اتاحة المقدار الأدنى من ممارسة الحقوق والحرّيات التي يكفلها حتى هذا الدستور المفروض من طرف الملك ومن طرف أحادي، فالنظام لا يسمح للشعب وللجمعيات السياسية والفعاليات والوجود العلمائي أن يمارس مثل هذه الحرّيات لا سيما الدينية منها كجمع الخمس والزكاة وما إلى ذلك."
وتابع قائلاً: "لا يمكن لأحد التنبأ بما قد يؤول له الوضع الأمني في البحرين بعد هذه الخطوة، فالشيخ عيسى كان أكثر شخص يمثل مسألة الدفاع عن النفس بالطرق السلمية، فالمجاميع الشبابية كانت تتجرع المرارة بسبب منعها من حقها في الدفاع عن النفس من قبل سماحة الشيخ، ولا يمكن تسمية مطالبتهم التصعيدية بالإنفلات، فكل هذا التعنت وهذا التجبر من السلطة لم يواجه بالحد الأدنى من قبل الشعب البحريني كدفاع عن النفس، بل التزم الجميع بالسلمية وفقاً لأوامر سماحة الشيخ حفظه الله، نعم بعد استهداف سماحة الشيخ قاسم لا أحد يمكنه معرفة المصير الذي ستؤول إليه الساحة وما يمكن أن يواجه به الشعب في البحرين وإن كنا سندخل مرحلة المواجهة والدفاع عن النفس بأساليب أخرى، والله العالم."
الوقت: البعض تحدث عن أسلوب يقوم به النظام البحريني في مقابل الشارع وضبطه بتدريج خطواته ضد الشخصيات المهمة في المعارضة فبدأ بحل جمعية الوفاق وسجن رئيسها الشيخ علي سلمان، فهل استطاع النظام كيّ وعي الحراك الشعبي وتخويفه، أم أن للشارع كلاماً آخر في وجه الخطوة الأخيرة؟
الشيخ كربابادي: "لا أعتقد ان الشعب البحريني سيكون منهزماً في مواجهة ما يحصل، والدليل أن ما نشاهده اليوم خير دليل على الإصرار والحضور والإعتصام أمام منزل سماحة الشيخ عيسى قاسم، والبعض لبسوا أكفانهم وكتبوا وصاياهم وهم مستعدون للشهادة في سبيل الدفاع عن الشيخ عيسى قاسم، لأن الدفاع عنه هو بمثابة الدفاع عن هويتهم ودينهم ووجودهم، فالنظام يستهدف وجود الأغلبية من السكان، وهذا الحكم الذي يمثله سماحة الشيخ هو الحكم الأخير والشعب يدرك أن الوضع لن يكون مريحاً بعد إزاحة الشيخ عيسى قاسم، وتوجد مؤشرات على هذه الحالة، فممارسة النظام طوال هذه السنوات للتهجير بحق الأسر والعائلات حسب منطلق عرقي كالبحرينيين من أصول فارسية أو على قاعدة مذهبية فيما يرتبط بالبحرينيين الشيعة، ويستجلب في مقابل ذلك الآلاف من المجنسين من مذاهب وتوجهات محددة، وهذا ما ذكره تقرير البندر وهي محاولة لإستبدال الشعب البحريني، وإزاحة سماحة الشيخ هي في السياق نفسه الذي يدركه الشباب البحريني جيداً."
الوقت: برأيكم ما هي أسباب تأجيل محاكمة الشيخ عيسى قاسم؟ هل هو الخوف من ردة فعل الحراك الشعبي والتحذيرات الخارجية التي نهت النظام عن هكذا خطوة؟
الشيخ كربابادي: "هذا الأسلوب بات معتاداً لدى النظام في البحرين، فإذا امتنع الشخص المستدعى من حضور المحاكمة فإن السلطات تأجّلها، وكأنها تتيح المجال لاستكمال الأوراق وإيصال الرسالة إليه، فهذه المرة ادّعت أن أحد أبناء سماحة الشيخ امتنع عن استلام ورقة الإحضارية وأنه هدد من جاء لتسليمها، وهو أسلوب يستخدمه النظام للمناورة واستباق الاحداث ومحاولة تبريد الأجواء فيعتاد الناس على المسألة، فلا تريد القيام بهكذا خطوة بشكل مفاجئ، بل تريد أن يعتاد الناس على تقبل فكرة المحاكمة والعمل على الحالة النفسية لدى الناس فلا يكون القرار مفاجئاً، فربما تعتقله وتفرج عنه كما حصل مع الشيخ علي سلمان وغيره وتكرر هذا الشيء مرات عدة حتى تصبح القضية بعيدة عن الإعلام فيقل الإهتمام بها من قبل المنظمات والجهات الدولية ويبرد الشارع البحريني، لذا فتأجيل محاكمة سماحة الشيخ يأتي في هذا السياق."