الوقت- في تقرير لموقع "هافينغتون بوست " الأمريكي، تحدّث الكاتب جوزيف ميكاليف عن اقتصاد تنظيم داعش الارهابي ومصادر دخله، واصفًا إياه بأنه أحد أغنى المنظمات الإرهابية في العالم. وتتنوع مصادر اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية بين الضرائب، والنفط، والاختطاف، والنهب، وتهريب الآثار، بحسب التقرير.
يمتلك تنظيم داعش أصولًا مالية كبيرة، حصلوا عليها من المعارك التي خاضوها – أغلبها في شرق سوريا وغرب العراق – بالإضافة إلى أرباحهم من التجارة. يعتبر اقتصاد "داعش" متنوعًا بدرجة كبيرة ويعتمد على مصادر دخل متعددة، كما أنه لا يعتمد على النظام المالي العالمي، فلم يتأثر بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على التنظيم.
في الفترة ما بين عامي 2007 و2009، بلغت العائدات الشهرية لتنظيم "داعش" – كما كان يُسمّى في ذلك الوقت – ما بين مليون إلى مليوني دولار، واعتمد على تبرعات أنصارهم من أثرياء الخليج، إلى جانب عائدات عمليات الاختطاف والابتزاز، حسبما ذكر التقرير. وفي أواخر عام 2014 وبدايات عام 2015، أعلن التنظيم أن إيراداته تُقدّر بما بين أربعة إلى خمسة ملايين دولار يوميًا، أي قرابة مليار ونصف دولار سنويًا. يُقال إن إيرادات التنظيم قد تراجعت إلى النصف، بحسب التقرير.
ذكر الكاتب أن الضرائب تعتبر أحد أكبر مصادر الدخل للتنظيم، إذ تبلغ قيمة الضرائب التي يفرضها التنظيم 10% على الدخل، بالرغم من وجود الكثير من الضرائب والرسوم الأخرى. على سبيل المثال، يفرض التنظيم رسومًا إضافية على الخدمات تبلغ 20%، كما يفرض ضريبة تبلغ 10% كغرامة على السحب من الحسابات المصرفية. تصل قيمة الجزية التي يفرضها التنظيم على غير المسلمين إلى 50% من دخلهم. كما استحدث التنظيم ضريبة سماها "ضريبة التوبة" تصل إلى 2500 دولار، وتُفرَض على المسلمين الذين يخالفون الشريعة الإسلامية. بالإضافة إلى ذلك، يفرض التنظيم على من يريد الخروج من مناطق سيطرته مبلغًا يصل إلى 2000 دولار، إلى جانب مصادرة أي ممتلكات يتركها وراءه. وبحسب التقرير، فقد بلغت عائدات التنظيم من هذه الأنشطة ما بين 300 مليون إلى 400 مليون دولار سنويًا.
أرباح النفط
يعتبر النفط أهم مصدر للربح بالنسبة لتنظيم داعش. وصل إنتاج التنظيم من النفط في ذروته إلى قرابة 50 ألف برميل يوميًا، وفقًا للتقرير.
لا يمتلك التنظيم أية مصفاة للنفط تحت سيطرته، وقد حاول التنظيم السيطرة على مصفاة بيجي – الأكبر في العراق – في أواخر عام 2014 وعام 2015، لكنه فشل في فرض سيطرته عليها. وقد اعتمد التنظيم على مصافٍ بدائية متنقلة قادرة على تكرير ما يقرب من 1000 لتر فقط يوميًا. يتم تهريب كل من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة إلى تركيا حيث يتم بيعها في السوق السوداء. ولم يقم التنظيم بإنشاء شبكة لتهريب النفط، بحسب التقرير، إذ تعود شبكة تهريب النفط التي يستخدمها التنظيم إلى وقت فرض الأمم المتحدة عقوبات على صادرات النفط في فترة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. كما تشير عدّة تقارير إلى بيع تنظيم الدولة الإسلامية النفط والغاز الطبيعي لحكومة بشار الأسد، مقابل المال أو تزويد المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بالكهرباء.
وأوضح الكاتب أن المهربين الذين يعتمد عليهم التنظيم هم مهربون مستقلون ولا يتبعون التنظيم، فقط يشترون النفط منهم ويبيعوه في تركيا. استهدفت أمریکا وحلفاؤها مصافي وحقول النفط التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية فقط في بداية الأمر، دون استهداف مهربي النفط. لكنها بدأت قبل ستة أشهر في الهجوم على المهربين، ودمرّت مئات الشاحنات الناقلة للنفط في غارات جوية.
أحد مصافي النفط التابعة لتنظيم داعش دُمّر خلال الغارات الجوية
في المتوسط، يبيع تنظيم داعش النفط بقيمة تتراوح بين 35 إلى 50% من السعر العالمي للنفط، كما بلغت عائدات التنظيم من تهريب النفط في ذروتها بين 500 و750 مليون دولار. بعد ذلك، مع تراجع الإنتاج وانخفاض أسعار النفط عالميًا، تراجعت عائدات التنظيم لتتراوح بين 150 إلى 200 مليون دولار. ومع خسارة التنظيم لبعض حقول النفط ونقص بعض قطع الغيار ومعدات الإنتاج، يُعتقد أن الإنتاج الحالي من النفط بين 20 إلى 25 ألف برميل يوميًا.
عائدات بمئات الملايين
بحسب التقرير، حقق داعش مبالغ تتراوح بين 50 إلى 100 مليون دولار من عمليات تهريب الآثار، إذ يقع 4500 موقع أثري في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم. يُسلِم التنظيم تلك المناطق الأثرية لقرويين محليين نظير جزء من الأموال لدى اكتشاف الآثار، وهي عملية تتكرر في تلك المنطقة منذ أجيال. يؤكد التقرير أن التنظيم لا يخلق نشاط التهريب أو شبكته، ولكنه يشارك في عمليات قائمة بالفعل، وأن أغلب تلك الآثار تُهرب إلى تركيا بالمقام الأول، ثم إلى لبنان بدرجة أقل.
يشير التقرير إلى أحد مصادر الدخل غير المتوقعة للتنظيم، وهي عمليات الخطف، والتي تضمن للتنظيم بين 25 إلى 50 مليون دولار سنويًا، ففي الوقت الذي ترفض فيه بعض الدول مثل أمریکا وبريطانيا واليابان دفع فدية مقابع تحرير مواطنيها المختطفين لدى التنظيم، تدفع دولًا أخرى مثل فرنسا وإيطاليا، بل وحقق التنظيم أموالًا طائلة من احتجاز الرهائن المحليين، وخاصة من اليزيديين والمسيحيين الأشوريين.
وبحسب "هافينغتون بوست"، كان الدعم المادي المباشر من مانحين أثرياء أحد أبرز مصادر الدخل للتنظيم في أيامه الأولى، إذ كان أبو مصعب الزرقاوي حريصًا على نشر أرقام تتعلق بتنظيم القاعدة في العراق – المرحلة الأولى من داعش – بشأن عمليات القتل والتفجيرات في العراق، في محاولة لإظهار فعالية التنظيم للجهات المانحة. ومع صعوبة تحديد مقدار الدعم الذي تلقاه التنظيم بدقة، تشير التوقعات إلى أنه يتراوح بين 20 إلى 40 مليون دولار، مع احتمالات أن يكون الرقم أكبر بكثير.
معبد بيل في مدينة تدمر قبل تدميره على يد تنظيم داعش
وأخيرًا، تظل عمليات النهب من بين أهم مصادر تمويل داعش، فغنائم الحرب لم تتوقف منذ بدء التنظيم لتوسعه بلا توقف. بحسب التقرير، أمنت الغنائم الأولية للتنظيم بين 500 إلى 800 مليون دولار أمريكي من خلال استيلائه على البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرته، إذ بلغ احتياطي النقد في فرع البنك المركزي العراقي في الموصل 400-500 مليون دولار حينما سيطر عليه مسلحو التنظيم.
يشير الكاتب أيضًا إلى عمليات بيع العقارات، والآلات، والمعدات العسكرية التي استولى عليها منذ عام 2014، كما تناول تقارير غير مؤكدة حول بيع التنظيم للأسلحة لمجموعات جهادية بمنطقة القوقاز. بحسب الكاتب، يظل من المستحيل إمكانية تحديد قيمة هذه الأصول، وما دُمِر منها.
خسائر كبرى
في شهر يونيو(حزيران) الماضي، يُعتقد أن عائدات التنظيم الحالية تتراوح بين 40 إلى 80 مليون دولار شهريًا، يأتي قرابة نصفها من الضرائب والرسوم التي يفرضها التنظيم على المقيمين في من مناطقه، وعمليات مصادرة الأملاك وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. تُكلِف العمليات العسكرية التنظيم بين 20 إلى 30 مليون دولار شهريًا، إلا أنه من الصعب تحديد الرقم بدقة، وبالمثل، من غير المعروف مقدار ما ينفقه التنظيم على الإدارة والخدمات، بحسب التقریر.
يشير التقرير إلى أن التنظيم حاليًا لا يحقق العائدات اللازمة لتمويل عملياته العسكرية، كما أن رواتب مقاتليه خُفِضت للنصف، لتصل من 400 دولار شهريًا إلى 200 فقط. تراجعت الخدمات في نطاق مناطق سيطرة التنظيم، وارتفعت أسعار الطعام والمحروقات، وأشارت بعض التقارير إلى نقص في الأدوية والمواد الأساسية، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كان ذلك النقص ناتج عن نقص الأموال أو بسبب الحملة التركية على عمليات التهريب. ذكرت تقارير أخرى أن التنظيم يشارك في أنشطة إجرامية أخرى، وتحديدًا تهريب الماريجوانا من البلقان إلى أوروبا الغربية.
وعلى الرغم من أن التنظيم يسيطر على الكثير من الأصول، إلا أن قدرته على تسييلها تظل محدودة بما يمكن تهريبه لتركيا وأماكن أخرى، فالكثير من تلك الأصول لا يمكن بيعه سوى لمن يعيشون في مناطق التنظيم، وأغلبهم يعانون من فقر متزايد. يظل عدم سيطرة التنظيم على أي ميناء عائقًا في طريق استيراد بعض المواد الأساسية أيضًا بحسب التقرير.
يقول الكاتب إن أمریکا ترى أن أكثر الطرق فاعلية لوقف تمويل داعش هو عن طريق استهداف الأنشطة التي تزود التنظيم بالمال، مثل تهريب النفط والآثار، ومخازن الأموال الحالية.