الوقت - يفتح كلام رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس الماضي عن وجود "إنقلاب في علاقاتنا مع دول عربية مهمة" باب التساؤل عن الأسباب والتداعيات المرتقبة لهذا اللحن الخطابي الذي بات يتردّد أكثر من أي وقت مضى على أسماع أبناء المنطقة.
لم يكن هذا الخطاب وليد الصدفة، وكذلك زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، بل جاء تتويجاً لسنوات من الإرهاب الذي نأى بنفسه، صدفةً، عن الكيان الإسرائيلي، مما يجعل الإجابة على الأسئلة التالية أمراً ملحّاً وضرورياً: هل يتحمّل الكيان الإسرائيلي مسؤولية الأزمات الإقليمية حقّاً؟ هل إكتفى الكيان الإسرائيلي بمشاهدة الجماعات التكفيرية أم دعمها وجيّرها لصالحه؟ ما الذي يثبت تخفّي الإسرائيليين في الجانب المظلم لهذه الجماعات؟
إن فصل كلام نتنياهو خلال خطاب له في مراسيم تخريج دفعة جديدة من طلاب كلية "الأمن القومي" الإسرائيلية بقاعدة الجيش في غليلوت عن الواقع "الإرهابي" الذي نعيشه، يعد أمراً مجانباً للصواب، لاسيّما في ظل إتهامات "محور المقاومة" المتكرّرة للكيان الإسرائيلي بالوقوف خلف هذه الجماعات الإرهابية، إتهامات وجد فيها محور "الإعتدال العربي" شمّاعةً يستخدمها محور المقاومة لتمرير مشاريعه في المنطقة.
بعيداً عن إصطفافات المحاور القائمة، والإنقسام الإقليمي غير المسبوق، لا يختلف إثنان على أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من الأوضاع التي تعصف بالمنطفة منذ العام 2011، فسوريا خسرت بنيتها، وكذلك العراق، وحزب الله يعيش حرب إستنزاف في سوريا كلّفته أكثر من 1000 مقاتل، فضلاً عن ثلّة من قيادات الصفّ الأول والثاني، إلا أن هذا العدد يبقى قليلاً مقارنة بالنتائج التي حصدها حيث تكفي الإشارة إلى أن ما قدّمه حزب الله خلال السنوات الماضية لا يعادل ما خسره العراق في يوم واحد في مجزرة سبايكر حيث أعدم تنظيم داعش الإرهابي 1566 عراقي.
أما المحور المقابل، فالسعودية خسرت 4 عواصم عربية كما أعلنت، فضلاً عن دخولها في النفق اليمني المظلم، مصر غابت عن الساحة الإقليمية مرجّحة الإنطواء على الداخل ومواجهة الإرهاب في سيناء، في حين أن ملك الأردن يعيش هواجس اللاجئين والهجمات الإرهابية التي كان آخرها في منطقة الركبان الحدودية مع سوريا.
في المقابل، إن هذا التهديد سمح للكيان الإسرائيلي بتعزيز صفوفه، لا بل العمل على إغتنام هذه الفرصة لصالحه والدخول على خط المواجهة بين المحورين، لتكريس واقع جديد، تحدّث عنه نتنياهو في خطابه الخميس عندما أوضح أن هذه الدول العربية "صارت تفهم أن "إسرائيل" ليست عدواً، وإنما حليف وسند في مواجهة تصاعد أخطار الإسلام المتطرف". لم يكتف نتنياهو بهذا القدر، بل إن ثقته بحلفائه الجدد دفعته للتحدّث عن هذه الدول دون تسميتها قائلا: "تلك الدول تفهم بأن "إسرائيل" ليست عدوًا، وإنما حليف وسند أمام التهديدات الناشئة من صعود ما أسماه "الإسلام المتطرف؛ سواء كان شيعيًا بقيادة إيران أو سنيًا بقيادة تنظيم الدولة الإسلامية داعش"، وفق قوله.
حيال كل ما يتعلّق بهذا الواقع "المزري"، تتلخّص الإجابة على كافّة الأسئلة المطروحة أعلاه بالتالي:
أولاً: رغم أن سوريا أفشلت كافّة المخططات العربية والغربية وأثبت النظام إرتكازه إلى قاعدة شعبية واسعة دعمته خلال السنوات الماضية، إلا أنها تعد الخاسر الأكبر من الأزمة الحالية بإعتبارها خسرت جزءاً كبيراً من جيشها وشعبها سواءً في القصف أو المواجهات أو حتى من خلال هجرة النخب إلى الخارج، وهنا يعتبر الكيان الإسرائيلي الذي يدعم الجماعات المسلّحة في الجبهة الجنوبية الرابح الأكبر، خاصّة أنه نجح في تجريد دمشق من أسلحتها الكيمائية بعد تلويح واشنطن بإستهدافها إن لم تسلّم هذه الأسلحة.
ثانياً: رغم ان حزب الله كسب خبرات عالية في سوريا تؤهله لخوض أي مواجهة مقبلة مع الكيان الإسرائيلي حيث قال رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي بيني جانتز، خلال تصريحات له في مؤتمر "هرتزيليا" السنوي بأن خمس جيوش في العالم فقط أقوى من حزب الله، إلا أن الحزب لم يكن بعيداً عن سوريا لناحية الخسائر، ويعيش "حرب إستنزاف"، فقد قالت صحيفةيديعوت أحرونوت "إن تقديرا للجيش الإسرائيلي خلص إلى وجود احتمالية قائمة بدرجة متوسطة لاندلاع موجة تصعيد مع حزب الله في العام الحالي، بسبب استنزاف الحزب في سوريا"، فمن المستفيد من إستنواف سوريا وحزب الله؟
ثالثاً: لم يهنئ الشعب العراقي بخروج الأمريكيين من البلاد، حتى دخل إليها التنظيم الإرهابي الأبرز ليقضي على ما تبقى من إمكانات لم يدمّرها الإحتلال الأمريكي. العراق الذي كان بلداً صاعداً في وجه المحور السعودي، وأقرب إلى محور المقاومة حيث تشكّلت غرفة عمليات بغداد، بات اليوم منشغلاً بأوضاعه الداخلية سواءً مع تنظيم داعش الإرهابي، أو إنفصال إقليم كردستان عن البلاد.
رابعاً: إن الشرخ الذي أنتجته هذه الجماعات سواءً بسبب سوريا أو العراق أو اليمن أو البحرين، دفع بالسعودية لقطع شعرة معاوية مع المحور المقابل، ووضعت حزب الله في قائمة المنظمات الإجرامية، وحاربته مالياً، لا بل وجدت في الكيان الإسرائيلي ضالتها وفق ما سمعنا من الجنرال السعودي أنور عشقي، ورئيس الإستخبارات الأسبق تركي الفيصل الذي دعا للتعاون مع الكيان الإسرائيلي في مواجهة إيران، فضلاً عن العشرات من التقارير السريّة التي تحدّثت عن زيارات متبادلة بين الرياض و"تل أبيب".
خامساً: مصر لم تكن بمأمن عما يجري، خاصّة أن زيارة وزير الخارجية سامح شكري تزامنت مع التقرير الذي نشرته وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، ونقلت فيه عمن وصفته بأنه مسؤول سابق في جهاز الأمن الإسرائيلي قوله "إن طائرات إسرائيلية بدون طيار هاجمت أهدافا في سيناء بموافقة مباشرة من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي". ليس ذلك فحسب، فقد وصفت صحيفة "هآرتس" العبريّة، العلاقات المصرية – الإسرائيلية بقصة الغزل، ولفتت إلى وجود رفض مصري علني لحركة "حماس" وتوجه لتشديد الحصار على القطاع، فهل تعد الأولى (إستهداف الإرهابيين في سيناء) مقابل الثانية (تشديد الحصار)؟
سادساً: الأردن، لم تكن بعيدةً عما يجري ولو بدجة أقل، فقد إستغل الكيان الإسرائيلي كسر "الخطوط الحمراء" العربية في الداخل الأردني حيث كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية عن عقد لقاء في عمان (الأردن)، بين رئيس الحكومة الأردنية، هاني الملقي، ونائب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي أيوب القرا. وقالت الصحيفة (المقربة من حكومة الکيان الإسرائيلي)، في عددها الصادر الخميس الماضي، إن هذه هي المرة الأولى بعد سنوات طويلة، التي يجتمع فيها رئيس حكومة أردني مع شخصية إسرائيلية رسمية وليس سرًا.
يبدو واضحاً أن الأوضاع تسير في صالح الكيان الإسرائيلي على حساب دول الطوق، كل هذا ناهيك عن القضية الفلسطينية التي باتت على الرفّ. وفي حين يرى أصحاب نظرية المؤامرة أن يداً إسرائيلية تعبث في كل ما يحدث اليوم، يرجّح آخرون إستفادة السلطات الإسرائيلية من الأوضاع الإقليمية وتجييرها لصالحها ولو إقتضى الأمر تدخلاً هنا، ودعماً هناك.