الوقت- يستمر الكيان الإسرائيلي في نشاطاته النووية في مفاعل ديمونة غير آبه بالعالم أجمع، هذا المفاعل الذي بدأ إنشاؤه عام 1958، واستطاع هذا الكيان من خلاله إنتاج كميات من البلوتنيوم تكفي لتصنيع ما يصل إلى مئتي رأس نووي، قد تجاوز عمره الافتراضي المقدر بثلاثين سنة منذ أمد طويل، وبات يشكل تهديداً جدياً لجميع دول المنطقة.
تلوث إشعاعي وأمراض خطيرة:
يشكل مفاعل ديمونة رمزاً مهماً للكيان الإسرائيلي، فهذا الكيان يرى في ملفه النووي وامتلاكه الأسلحة النووية ضماناً لوجوده في المنطقة، وعامل ردع من شأنه كسر إرادة الدول العربية والحفاظ على تعهد الدول الغربية بأمن هذا الكيان. وحتى اليوم ما يزال الهدف المعلن من وراء إنشاء مفاعل ديمونة مبهماً، إذ يدعي قادة الكيان أن إنشاء المفاعل جاء ضمن جهود لتطوير صحراء النقب جنوب فلسطين. لكن تقارير عدة أشارت إلى نشاطات الكيان الإسرائيلي النووية في مفاعل ديمونة، خصوصاً ما أفشاه العالم النووي الإسرائيلي من أصل مغربي موردخاي فعنونو والذي كان أول من تحدث عن الأسرار النووية الإسرائيلية عام 1986، وحكم على إثرها بالسجن لمدة 18 عاماً، يقول فعنونو: "مفاعل ديمونة قديمٌ جداً عمره أكثر من خمسين عاماً، وأعمار المفاعلات في العادة ثلاثون عاماً من العمل، يجب إغلاق هذا المفاعل، وإن بقي يعمل في هذه الظروف يمكن أن تحدث كارثة في الشرق الأوسط. أرى أن للأردن الحق في أن تسأل إسرائيل عما تفعله هناك لأنه قريب من الحدود الفلسطينية".
كلام فعنونو عن شيخوخة مفاعل ديمونة وتهالكه والخطر الذي يشكله على سكان فلسطين المحتلة والأردن بشكل خاص وعلى دول المنطقة بشكل عام، تؤكده تقارير مصرية وأردنية عدة تحدثت عن تسربات إشعاعية ناجمة عن مفاعل ديمونة. وفي هذا الإطار قال رئيس التحالف المدني لضحايا مفاعل "ديمونة" الإسرائيلي في الأردن المدعي العام السابق ورئيس مركز الجسر العربي لحقوق الانسان أمجد شموط في حديث لصحيفة الراية القطرية "تبين لنا بالوجه القطعي أنهم وعندما ركبوا مداخن المفاعل، وجهوها باتجاه المنطقة الجنوبية الأردنية وتحديداً وادي عربة والشوبك والبتراء ومعان والكرك والطفيلة والأغوار المحاذية للمفاعل. وعند هبوب الرياح تحمل الاشعاعات والانبعاثات السامة باتجاه جنوب الأردن، وهذا كله يعني وجود قصد جنائي متعمد منذ تأسيسه . وحسب آخر تقرير لوزارة الصحة الأردنية فإن هناك 12 ألف حالة سرطانية في الجنوب في الفترة ما بين 1996 – 2004 وتنوعت هذه الحالات بين الغثيان وتساقط الشعر وأمراض العيون والتقرحات الجلدية والأمراض المزمنة في الجهاز العصبي، كما رافق ذلك الرعب والتشوهات الخلقية للأطفال والأجنة".
الخطر يهدد سكان الكيان الإسرائيلي أيضاً:
أقرت القناة العاشرة الإسرائيلية في تقرير لها بوفاة مئات الأشخاص من العاملين ضمن مفاعل ديمونة بعد إصابتهم بأنواع مختلفة من السرطان. ونقل التقرير شهادات بعض أقرباء ضحايا الإشعاعات النووية المنبعثة من مفاعل ديمونة، والذين أكدوا محاولة المسؤولين الإسرائيليين إخفاء الواقع الخطير عن مسامع العالم، ونقلت القناة الإسرائيلية كلام "دانيل شرودكر" والذي أشار إلى أن والده كان عامل نظافة في مفاعل ديمونة لمدة 28 سنة، ولكنه فارق الحياة بعد أشهر قليلة من إخبار الطبيب له بإصابته بالسرطان. ويضيف شرودكر: "لم يكن أبي وحيداً، بل إن العديد من زملاء والدي فقدوا حياتهم جراء إصابتهم بالسرطان، ولكن الخوف من الملاحقة القانونية دفع بأسر هؤلاء الضحايا إلى التزام الصمت".
ويشير التقرير الإسرائيلي إلى وفاة قرابة ربع العاملين في مفاعل ديمونة على إثر الإصابة بالسرطان، وكذلك تم اكتشاف أعراض مرض السرطان لدى أكثر من 70% من سكان النقب، فيما يعمل المسؤولون الإسرائيليون من خلال الكذب والتضليل على إخفاء الحقائق الفظيعة المتعلقة بتهالك البنى التحتية المتعلقة بهذا المفاعل.
سكوتٌ خليجي وحياءٌ مصري أردني:
يقع مفاعل ديمونة الإسرائيلي في صحراء النقب، وتفصله عن الحدود الأردنية الغربية مسافة 25 كيلومتر تقريباً، وعن شرق مصر حوالي 75 كيلومتر، وعن جنوب القدس حوالي 85 كيلو متر، الأمر الذي يجعل من مفاعل ديمونة خطراً حقيقياً يهدد حاضر ومستقبل فلسطين والدول المجاورة لها، خصوصاً الأردن ومصر، حيث تحدثت تقارير عن أن التسريبات النووية من مفاعل ديمونة طالت مناطق عدة في الأردن ومصر والضفة الغربية، كما أن التسريب النووي الإسرائيلي وصل للمياه الجوفية في مدينة تبوك السعودية.
كل هذه المخاطر لم تدفع دول العالم الكبرى إلى توجيه أصابع الاتهام للملف النووي الإسرائيلي، أو الضغط على قادة هذا الكيان للحد من أنشطته النووية العدائية، وبينما نرى الكيان الإسرائيلي مازال مصراً على عدم توقيع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، أو إخضاع نشاطاته النووية للرقابة الدولية، نسمع بين الفينة والأخرى انتقاداً خجولاً من مصر والأردن لهذا الملف، بينما تلتزم دول مجلس التعاون الصمت حيال هذا الملف غير آبهة بمصير شعوبها وحجم الكارثة التي تنتظرها.