الوقت - نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً تحدثت فيه عن العقبات التي تواجه السعودية في التوفيق بين حليفتيها السنيّتين" مصر وتركيا" ما يحد من قدرتها في مواجهة إيران.
المثلث الإستراتيجي
وقالت الصحيفة إن السعودية تشكل مع تركيا ومصر مثلثاً إستراتيجياً، مشيرة إلى أن الرياض تعوّل كثيراً على أنقرة والقاهرة في مواجهتها المستمرة مع طهران؛ لأنها تعتقد بأنهما تتمتعان بنفس الثقل الإقليمي الذي تتمتع به طهران.
وأضافت إن تركيا قد إنحازت إلى السعودية، فيما يخص الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من خمس سنوات، وإزداد التعاون فيما بينهما في تمويل الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة في إطار خطة مدعومة أمريكياً تهدف إلى إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد وإضعاف الدول الحليفة لسوريا لاسيّما إيران.
وذكرت الصحيفة أيضاً إن مصر شاركت كذلك بفعالية في التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانها المتواصل على اليمن، وذلك عبر إرسال قطع بحرية لحصار الموانئ اليمنية التي يسيطر عليها "الحوثيون" حلفاء إيران في اليمن، حسب تعبير الصحيفة.
وتابعت "وول ستريت جورنال" تقريرها بالقول : ثمّة ما ينغص السعودية؛ فالعلاقات بين أنقرة والقاهرة في أسوأ فتراتها بعد أن إنهارت منذ الإطاحة بالرئيس المصري "محمد مرسي" في عام 2013. ومما يشعر الرياض كذلك بالإحباط هو شعورها بأن كلاً من تركيا ومصر لا تتفقان مع وجهة نظرها بشأن إيران.
وأضاف التقرير إنه في أعقاب قطع الرياض لعلاقاتها الدبلوماسية مع طهران قبل عدّة أشهر على خلفية التظاهرات التي شهدتها المدن الإيرانية إحتجاجاً على إعدام عالم الدين "الشيخ نمر باقر النمر" وإقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المحتجين، لم تحذُ تركيا حذو السعودية وتقطع علاقاتها مع إيران، في حين تعارض مصر رغبة السعودية في الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا.
في هذا السياق يقول "فهد نزار " المتخصص في الشؤون السعودية بمؤسسة "JTG intelligence" والمحلل السابق بالسفارة السعودية في واشنطن "إنّ السعودية تريد من حلفائها إعلان سياساتهم بشكل واضح جداً، وتعتقد أن وقت المواقف الغامضة قد إنتهى وأن الإضطراب والعنف الذي يسود المنطقة، يتطلب سياسات واضحة جداً وحاسمة".
ويرى نزار إن من أسباب تردد حليفي السعودية التداخل المعقد بين الصراعين اللذين يضربان الشرق الأوسط؛ أي الصراع الطائفي "السني –الشيعي" الذي يحتل حيّزاً كبيراً في تفكير الرياض، والعداء بين خصوم وأنصار الإسلام السياسي الذي لا يزال قضية رئيسية في كل من القاهرة وأنقرة.
ويرى الرئيس المصري الحالي اللواء "عبد الفتاح السيسي" إن مواجهة الإسلام السياسي والقضاء على نفوذ الإخوان المسلمين أولوية قصوى لنظامه، مما يشغل القاهرة عن المخاوف بشأن إيران، وهذا يعني أن السيسي لا يشاطر السعودية رؤيتها بدعم ما أسمته الصحيفة "الجماعات السنيّة المعتدلة"، ولا يعتبر إسقاط الأسد أولوية.
ويقول وزير الخارجية المصري السابق "نبيل فهمي" بهذا الخصوص: "إن الحكومة السعودية ترغب بقوة في تغيير نظام الأسد، ولكن موقف مصر هو أن هذه المسألة ليست ذات أولوية".
وأضاف فهمي: "إن الأولوية بالنسبة للقاهرة هي ضمان إستقرار الدولة السورية، ثم يقرر السوريون بعد ذلك ماذا يجب أن يتغير أو لا يتغير، فمصر لا تريد إنهيار الدولة السورية وما قد يصاحبه من تداعيات محلية وإقليمية".
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن الإطاحة بنظام مرسي وإيداعه السجن من قبل القضاء المصري قد أثار غضب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ما جعل الإلتزام الأيديولوجي يطغي على المزايا الجيوسياسية من وراء التحالف مع مصر.
وكان رئيس الوزراء التركي الجديد "بينالي ييلدريم" قد دعا إلى إحياء العلاقات التجارية مع مصر، لكنه أكد في الوقت نفسه على أن أنقرة لن تقبل بما أسماه "الإنقلاب على الديمقراطية" في مصر الذي حدث عام 2013. وقد ردّت مصر على هذا التصريح بالمطالبة بإعتراف رسمي بقيادتها الحالية.
وأصبح الرفض للإعتراف بنظام السيسي "فكرة ثابتة" لأردوغان، حسبما ذكر وزير الخارجية التركي السابق "يسار ياكيس" الذي شدد في الوقت نفسه على ضرورة إنهاء كافّة الخلافات مع مصر، بإعتبارها قوة رئيسية في الشرق الأوسط، مشيراً كذلك إلى ضرورة عدم إتخاذ أي موقف معادٍ لإيران، لأن العلاقات مع السعودية ربما لا تظل في وئام دوماً.
ولم يحدث تقارب بين السعودية وتركيا، إلاّ بعد أن تغير موقف الرياض من جماعة الإخوان المسلمين، التي كان الملك السابق "عبد الله بن عبد العزيز" قد صنّفها منظمة إرهابية، وكان من أبرز الداعمين مالياً لنظام السيسي.
ويقول الكاتب البارز في معهد "بروكنجز" للدراسات "شادي حامد" إن الملك السعودي الحالي "سلمان بن عبد العزيز" قد أظهر تسامحاً أكبر من سلفه تجاه الإسلام السياسي، ولا يمكن إسباغ الطابع المؤسسي على السياسة الخارجية لكل من السعودية ومصر وتركيا، لأن العلاقات بين هذه الدول مبنية على خصوصيات حكامها المتنافرة.