الوقت - أقدمت السلطات البحرينية قبل عدّة أيام على إتخاذ قرار بسحب الجنسية البحرينية عن المرجع الديني آية الله الشيخ عيسى قاسم، والذي أثار ردود فعل غاضبة ومنددة في الأوساط الشعبية والرسمية في الكثير من دول العالم لاسيّما دول المنطقة. كما أثار هذا الإجراء تساؤلات بشأن صحته من عدمه من وجهة نظر القانون الدولي.
وزعمت سلطات المنامة بأن إسقاط الجنسية عن آية الله عيسى قاسم جاء بسبب مواقفه المعارضة للنظام، وعدم إستجابته لتحذيراتها له بالكفّ عن هذه المعارضة وإستمراره بالمطالبة بالتغيير الجذري من خلال خطبه في المساجد وعلى المنابر خصوصاً من على منبر صلاة الجمعة.
وبغض النظر عن الإحتجاجات الواسعة التي شهدتها البحرين والكثير من الدول الإسلامية ضد هذا القرار، نسلط الضوء في هذه المقالة على الأسس الحقوقية التي تمنع تجريد أيّ شخص من جنسيته، وفقاً لمبادئ القانون الدولي ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تعريف الجنسية
- تعرف الجنسية على أنها رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة، وتتكون من ثلاثة عناصر هي (الدولة والفرد والعلاقة القانونية بين الطرفين). فالدولة وفق هذا التعريف هي التي تنشئ الجنسية إبتداءً شريطة أن تكون هذه الدولة معترف بها دولياً.
- الجنسية وصف ملحق بالشخص الطبيعي، ومن خلالها يتمتع هذا الشخص بكافة الحقوق القانونية في مختلف المجالات العقائدية والإجتماعية والسياسية والإدارية.
- الجنسية تقوم على عدّة إعتبارات سياسية وإجتماعية، وتنظم من قبل الدولة لتحقيق هذه الإعتبارات. فالعلاقة بين الطرفين هي علاقة تنظيمية ينفرد المقنن بوضع القواعد المتصلة بها، ويقتصر دور الفرد على الدخول في هذه العلاقة عند توافر شروط ذلك.
- للجنسية أهمية بالغة، فهي التي يتم عن طريقها توزيع الأفراد بين مختلف دول العالم، وهي التي تحدد الأشخاص الذين يتمتعون بالصفة الوطنية، وأيضاً من أهمية الجنسية أن المواطن يتمتع بحماية الدولة التي ينتمي إليها حتى في حال وجوده خارج حدودها.
- تشكل الجنسية عنصراً من عناصر الحالة الطبيعية للشخص، الأمر الذي يجعلها وثيقة الإرتباط بالقانون الدولي أكثر من أيّ قانون آخر، خاصة عندما يثار نزاع بشأنها بين الشخص والدولة.
قاعدة المواطنة
- يُعد إمتلاك الجنسية بمثابة حق قانوني لكل شخص في أيّ دولة من دول العالم وفقاً لقاعدة حقوقية يطلق عليها إسم "قاعدة المواطنة" والتي تعتبر أيضاً من المبادئ الأساسية في القانون الدولي.
- يعتبر إمتلاك الجنسية في نظر ذوي الإختصاص القانوني من الحقوق البديهية لأيّ مواطن كونها توضح العلاقة بين الشخص والدولة، وفي ظل هذه العلاقة يتم منح الجنسية للمواطن.
- الجنسية هي رابطة قانونية تربط الفرد بالدولة مما يرتب حقوق وواجبات متبادلة بين الطرفين، والقانون هو الذي يقوم بتحديد شكل وطبيعة هذه الرابطة من جميع الجهات.
- ليس من حق الدولة تجريد أيّ شخص من جنسيته إلاّ في حال كون هذا الشخص ليس مواطناً بالأصالة، أو حصل على الجنسية من خلال منح الدولة له باعتباره لاجئاً من دولة أخرى، مع إشتراط أن لا يكون هذا الشخص قد أسقطت عنه جنسية البلد الذي كان يقطنه في السابق.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- طبقاً للمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لكل فرد التمتع بجنسية بلده، ولا يجوز حرمانه منها تعسفاً بأيّ شكل من الأشكال، فيما تنص المادة 19 من هذا الإعلان على أن لكل شخص الحق في حرية الرأيّ والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء دون أيّ تدخل، ودون تقييد بالحدود الجغرافية. وهناك تكامل بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فكلاهما يسعى إلى حماية أرواح البشر وصحتهم وكرامتهم، وإن كان ذلك من زاوية مختلفة.
- يُعتبر سحب الجنسية عن أيّ فرد في العالم عملاً مرفوضاً وقبيحاً من الناحيتين القانونية والعقلائية، ولا يمكن لأيّ دولة القيام بهذا العمل لمجرد كون الشخص يعارض نظامها ويطالب بحقوقه المشروعة.
- يجب على الدولة أن تصون الحق الطبيعي للمواطن بإمتلاك الجنسية، وأن تحرص على ذلك حتى وإن كان معارضاً لها لأنها في حال خالفت ذلك وقامت بسحب الجنسية عنه، فإنها ستمنحه في الواقع حقاً آخر يبرر معارضته لها وليس العكس.
من هنا وطبقاً لنصوص القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يحق للسلطات البحرينية تجريد أيّ مواطن من جنسيته مهما كانت مكانته الإجتماعية أو السياسية أو الدينية، فضلاً عن أن يكون هذا المواطن هو آية الله الشيخ عيسى قاسم المرجع الديني والشخصية الإجتماعية المرموقة والتي تحظى بتأييد جماهيري واسع ومحبة وإحترام كبيرين في الأوساط الإجتماعية والعلمائية في داخل البحرين وخارجها، لما تتميز به هذه الشخصية من خُلقٍ رفيع ومكانة أبوية وروحية كبيرة أهّلته لأن يضطلع بواجبه الديني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة للإصلاح الشامل والدفاع عن المظلومين ونبذ الطائفية بطرق سلمية وعقلائية مشروعة تنم عن روح شفافة وسامية وأفق ذهني رحب تمكن من إستقطاب الملايين من المحبين والعشاق في داخل البلاد وخارجها، والتي هبّت للدفاع عنه حال سماعها بالقرار الجائر الذي إتخذته سلطات آل خليفة ضده بإيعاز سعودي ودعم بریطاني وضوء أخضر أمريكي خلافاً للقانون الدولي.
خلاصة القول يمثل إسقاط الجنسية عن آية الله الشيخ عيسى قاسم إنتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، ويُعد السكوت عن هذا الإجراء التعسفي بمثابة تأييد له، وهو أمر مشين عقلاً وقانوناً ويبعث على الشعور بالأسف الشديد، لأنه ينم عن نوايا سيئة مبيتة تجاه الشعب البحريني بكافة شرائحه، خصوصاً علماء الدين وفي مقدمتهم آية الله قاسم، وهو قرار يكشف بوضوح زيف المنظمات والدول التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، لاسيّما الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا.