الوقت - كعادتها وفي كل معركةٍ يشنها العراقيون ضد تنظيم داعش، تخرج واشنطن إما للعبث عبر الترويج للفتنة، أو لكسب الإنجاز. لكنها دائماً كانت تنتهي سياستها بالفشل. وهو ما جرى حالياً في معركة الفلوجة، حيث سعت واشنطن الى تأجيج الإنقسامات المذهبية، محاولةً استغلال طبيعة التعقيدات الديمغرافية في المدينة. لكنها سرعان ما رضخت لتطورات الميدان، الأمر الذي جعلها تسارع لإحتواء الموقف. فماذا في سياسة الخداع الأمريكية في الفلوجة؟ وكيف رضخت واشنطن؟
إعلان واشنطن علاقتها بتطورات الميدان
بدأت القوات العراقية الإثنين المنصرم عملية واسعة النطاق لاستعادة مدينة الفلوجة التي تبعد 50 كم إلى الغرب من بغداد، ويسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي منذ كانون الثاني 2014. لكن المئات فقط من المدنيين نجحوا الجمعة في مغادرة المدينة، والتي لا يزال فيها حوالي 50 ألف مدني تحت سيطرة عصابات داعش الارهابية. وهنا فقد خرج مؤخراً المتحدث باسم التحالف الدولي، معلناً أن قائد تنظيم داعش الإرهابي في الفلوجة قُتل بضربة جوية في إطار الهجوم الذي تشنه القوات العراقية لاستعادة المدينة. وقال الكولونيل الأمريكي ستيف وارن "قتلنا أكثر من سبعين مقاتلاً من الأعداء بينهم ماهر البيلاوي الذي كان قائد قوات تنظيم داعش في الفلوجة"، مشيرا إلى أن التحالف شن أكثر من عشرين ضربة سواء جوا أو بواسطة المدفعية في الأيام الأربعة الأخيرة. وأضاف وارن "بالتأكيد، لن يدفع هذا الأمر العدو إلى الانسحاب تماماً من المعركة لكنها ضربة. هذا يحدث بلبلة ... ويجبر القادة الآخرين على إعادة النظر في مواقعهم". وأضاف المتحدث أن طائرات أمريكية ألقت مناشير تحث السكان على الفرار، لافتاً الى أن "هذه المناشير توصي من لا يستطيعون المغادرة بوضع شراشف بيضاء على سطوح (منازلهم) للإشارة إلى أماكن وجودهم. مؤكداً بأن الجيش العراقي يبذل جهدا كبيرا لتأمين وسائل إجلاء".
تحليلٌ ودلالات
لا شك أن واشنطن تسعى لتلميع صورتها، راضخةً لتطورات الميدان، وهو ما يجعلنا نشير للتالي:
- في بداية المعركة، أشارت واشنطن الى أنها لن تشارك في الدعم لتحرير الفلوجة. خصوصاً الدعم الجوي. وهو الأمر الذي فسَّره محللون على أنه محاولةٌ لإعطاء الإرهاب فرصةً، والرهان عليه. لكن هذا الرهان فشل في مطلق الأحوال، بسبب تطورات الميدان، ومواصلة القوات العراقية المشتركة عملياتها الواسعة، والتي تُشكل فيها قوات الحشد الشعبي رأس حربتها.
- وهنا ومنذ بداية هذه القوات عملها، سعى الإعلام الغربي والعربي الخليجي الى تعقيد المشهد، ضمن إطار سياسة أمريكية متعمدة، عبر إثارة حملات تشويهٍ لدوافع وممارسات القوات العراقية المشاركة في العمليات خاصة الحشد الشعبي عبر وصف عملياتها بأنها انتقامية وطائفية. كما نُسب اليها تسريبات عن قصف عشوائي لمرافق عامة في المدينة.
- وبالتالي سعت واشنطن لإستغلال تعقيدات الديموغرافيا في المدينة، والجانب الانساني فيها، لضرب اللحمة الوطنية التي تعد من أبرز عناصر القوة التي يمتلكها الشعب العراقي في الحرب التي يخوضها للتخلص من ارهاب داعش.
- ولعل ذلك ما يُشير الى نجاح هذه القوات بقيادة الحشد الشعبي من تأمين الوفاق الوطني العسكري، عبر ضم قواتٍ من الجيش وقوى الأمن والشرطة العراقية والعشائر من الفلوجة ومحافظة الأنبار. فيما يقوم الحشد الشعبي بمهمة الإسناد للعملية في المحاور والمناطق المحيطة بالفلوجة دون مهمة الإقتحام والدخول الى المدينة، كما اكد قادة الحشد، مستخدمين تكتيكاً ذكياً يراعي جغرافيا الميدان، ويُعطى أبناء الأرض فرصة دحر الإرهاب.
- أمام هذا المشهد السريع والمتتالي، سعت واشنطن الى تشويه سمعة الحشد الشعبي، والرهان على فشل المُخطَّط. لكنها وبعد أن تفاجأت بالتطورات العسكرية، وجدت نفسها مُجبرةً على الإدعاء بتقديم العون، ولو جوياً. وذلك في محاولةٍ لكسب الطرف العراقي السني، والذي تعتبره واشنطن بحاجة لدعمها. فيما أثبتت العشائر العراقية وقوفها الى جانب الجيش والقوات المشتركة بقيادة الحشد الشعبي.
بناءاً لما تقدم، يمكن الوصول للتالي:
- فشلت واشنطن مرةً أخرى في الترويج للفتنة. بل إنها رضخت لتطورات الميدان، والتي يبدو أنها ستكون مثالاً آخر على لحمة الشعب العراقي، وإنجازاً يُضاف الى سجله الحافل في تحرير مناطقه من الإرهاب. كما فشلت في تقديم نفسها كطرفٍ مُدافعٍ عن شريحةٍ معينة من الشعب العراقي، بسبب شعورهم بتقاعس الطرف الأمريكي.
- بالإضافة الى ذلك، فإن تكاتف العراقيين ووحدتهم في عملية الفلوجة، ساهم في إقفال الباب على الساعين للفتنة، والتأجيج المذهبي. وساهم في ترسيخ الحشد الشعبي مرةً أخرى كطرفٍ قادرٍ على إدارة العمليات المشتركة، بحسب طبيعة الميدان العسكرية.
- من جهةٍ أخرى، فقد أثبت الحشد الشعبي نجاحه التنفيذي. حيث استطاع القيام بعمليات التحرير ومن ثم تطهير البلدات والمناطق المحيطة بالفلوجة من تفخيخات داعش قبل اقتحام المدينة. الى جانب تطبيقه خطة لحماية السكان والذين تحاصرهم داعش وتحضر لاستغلالهم كدروع بشرية. متغلباً على كل التعقيدات التي تواكب عمليات التحرير والتي قد تتضاعف بسبب النفاق الأمريكي في التعاطي مع المعركة.
إذن فشلت واشنطن في مساعيها الجديدة لإستغلال الميدان، من أجل تأجيج الفتنة بين العراقيين. فيما رضخت لتطورات الساعات الأخيرة، خوفاً من إتهام العالم لها بالتقاعس، الى جانب خوفها من خسارة بعض المراهنين عليها في الداخل العراقي. فيما قالت العشائر كلمتها، ووقفت الى جانب الحشد الشعبي في تحرير أرضها، الأمر الذي أقفل الباب على أي محاولةٍ أمريكية لكسب الإنجاز.