الوقت – بعد ان كان دونالد ترامب "كذبة" في امريكا تحول الى مارد جمهوري انسحب منافسوه الجمهوريون من امامه ليصبح مرشح هؤلاء في الانتخابات الرئاسية الامريكية القادمة لكن لماذا صعد نجم هذا "العنصري" المعادي للاجانب والمسلمين في امريكا وكيف سيكون حال امريكا اذا فاز ترامب بالرئاسة؟
لقد هاجم ترامب في كلماته وحملاته الدعائية الحربين اللتين شنهما جورج بوش على افغانستان والعراق لانهما استنزفتا الاقتصاد الامريكي بشكل هائل وتسببتا بمتاعب اقتصادية كبيرة لامريكا والحقيقة ان رغبة الجمهورين نحو ترامب الان تدل في الدرجة الاولى على ان خشية الامريكيين من الحروب لأن الاخطار الخارجية قد ارتفعت بشكل كبير وهذا سيؤدي الى تشديد النزعة العنصرية داخل المجتمع الامريكي مستقبلا.
وقد شاركت الصحف الأمريكية ايضا في الانتقادات الموجهة لتصريحات ترامب، وكتبت صحيفة نيويورك تايمز "هيمنت أكاذيب دونالد ترامب العنصرية على الحملات الدعائية في امريكا" كما اعتبرت صحيفة "سياتل تايمز" أن "رسالة حملة ترامب تعكس نوعا من الفاشية الزاحفة" التي ينبغي رفضها، كما برز عدد من التسجيلات المناهضة لترامب، على غرار إعلان قصير بث على الإنترنت أطلقه حاكم أوهايو جون كيسيك يربط ترامب بألمانيا النازية.
ولا شك ان ترامب محق بأن حربي افغانستان والعراق جلبتا الفشل للاقتصاد الامريكي لكن ترامب لايدعو الى الاتعاظ من الماضي وتصحيح الاخطاء وتحسين العلاقات مع الدول الاخرى واعادة بناء ما هدمته السياسات الامريكة الهوجاء في العقود الماضية بل ان ترامب يدعو الى الانغلاق على الذات واستعداء الآخرين وقد رأى وسمع الجميع تصريحاته المعادية للمسلمين قبل شهور ودعوته الى طرد المسلمين من امريكا وكذلك طرد المهاجرين المكسيكيين وباقي المهاجرين من الاراضي الامريكية.
ان ما يجيده ترامب هو اللعب على اوتار اخطاء الرؤساء الامريكيين السابقين ولذلك نراه يدعو الى عدم التورط من جديد في حروب ويثير قضايا مثل الركود الاقتصادي وشيخوخة البنى التحتية الامريكية بسبب صرف آلاف المليارات الدولارات على حروب الخارج بدلا من التنمية الداخلية، ويناور ترامب ايضا على قضية تورط منافسته هيلاري كلينتون في حربي افغانستان والعراق عندما كانت وزيرة للخارجية في الادارة الامريكية من اجل كسب الدعم الشعبي.
ان خسارة هيبة القوة العظمى المهيمنة في العالم بسبب سياسات جورج بوش وباراك اوباما هي ايضا من الامور التي يناور عليها ترامب وان ارتفاع شعبيته يدل ان مؤيدي ترامب من الجمهوريين لايتذمرون من سياسات جورج بوش وباراك اوباما بسبب عدم صوابية سياساتهما بل بسبب المردود السلبي لهذه السياسات وهذا يظهر ان الجمهوريين المؤيدين لترامب يأسفون على تضاؤل الهيمنة الامريكية في العالم وهناك احتمال بأن يساند الجمهور الامريكي بقوة دونالد ترامب اذا سعى الى استعادة الهيمنة الامريكية المهدورة بأية طريقة واسلوب في العالم وهذا المسعى لن يخلو بالتاكيد من انتهاك حقوق باقي الدول والشعوب على غرار اسلاف ترامب.
ان الشعارت التي يطلقها ترامب ضد سياسات بوش واوباما لايعني تحول امريكا "الوحش" الى حمل وديع وقد رأينا كيف هدد ترامب السعودية بضرورة دفع كافة اموالها مقابل ان تحظى بالحماية الامريكية وكذلك دعوته لحلفاء امريكا الاوروبيين بدفع تكاليف الحماية العسكرية والقواعد العسكرية الامريكية الموجودة في اوروبا.
ان امريكا في حال فوز ترامب ستشهد ظهور سياسات لاتقل خطورة عن سابقاتها بل انها ربما تكون اخطر من الماضي وقد قال ترامب مؤخرا انه في حال فوزه بالرئاسة سينقل السفارة الامريكية في فلسطين من تل ابيب الى القدس المحتلة وهذا يدل ان سياسة ترامب في الشرق الاوسط ستكون اكثر تصادمية مع محور المقاومة والممانعة وشعوب المنطقة.
ولا ندعو هنا الامريكيين الى التصويت لصالح هيلاري كلينتون بدلا عن ترامب لأن كلينتون ايضا لن تكون افضل حالا وسياسة من ترامب خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار تصريحاتها عن قطاع غزة قبل شهور حين قالت انها وفي حال حدوث عدوان اسرائيلي جديد على قطاع غزة ستسمح للاسرائيليين بقتل 200 ألف فلسطيني بدلا عن الفي فلسطيني قتلهم الاسرائيليون في عدوان 2014، ومن ثم صححت كلينتون الاقوال المنسوبة اليها وقالت انها كانت تقصد قتل 20 الف فلسطيني وليس 200 الف.
وسواء فاز ترامب بالرئاسة ام لم يفز فإن هذا "الشحن العنصري" ضد المسلمين والاجانب الذي حدثت خلال حملة الانتخابات الرئاسية الامريكية قد زاد من مخاطر تعرض الاجانب في امريكا لأخطار مستقبلية على يد العنصريين الامريكيين كما ازداد مستوى الكراهية للآخرين لدى الامريكيين وهي كراهية كانت نسبتها مرتفعة في الاساس عند الامريكيين ولا بد ان يترك هذا كله تأثيره السلبي على السياسات الخارجية الامريكية التي لن تكون سوى انعكاسة من الحالة الداخلية الامريكية.