الوقت – اشار موقع نشنال اينترست في مقال تحليلي الى موضوع قيام 75 شخصية جمهورية ناشطة في مجال السياسة الخارجية بتوجيه رسالة مفتوحة يؤكدون فيها معارضتهم لترشيح دونالد ترامب للرئاسة الامريكية من قبل الحزب الجمهوري، وقال نشنال اينترست ان هذه الرسالة يمكن اعتبارها وثيقة سياسية تنتقد مواقف ترامب من جهة كما يمكن من جهة اخرى اعتبارها دليلا على سعي الناخبين الامريكيين لاخراج ملف السياسة الخارجية لامريكا من يد خبراء السياسة الخارجية.
وقال الموقع: ان ما يدور حول ملف ترشح ترامب ومعارضة هذا الترشح قد تكرر لمرتين في التاريخ الامريكي ففي ملف قانون عدم الانحياز في عام 1930 اتهم السيناتور الجمهوري جيرالد ناي الذي كان معارضا لأي تدخل عسكري امريكي في الخارج، معامل صنع الاسلحة وشركاته والمصرفيين الذين كانوا يوفرون الاموال لتجارة الاسلحة باذكاء نيران الحرب من اجل جني الارباح.
وكان قانون عدم الانحياز يجنب امريكا الدخول في كافة النقاشات الدولية ويمنع بيع السلاح للاطراف الداخلة في الحروب على الساحة الدولية وقد حكم فرانكلين روزفلت في ظل هذا القانون واستطاع السيناتور ناي وحلفاؤه ان يأخذوا ملف السياسة الخارجية الامريكية بيدهم في مجلس الشيوخ.
وبعد مضي 3 عقود حاول الشعب الامريكي مرة اخرى اخراج السياسة الخارجية من قبضة الساسة التنفيذيين والخبراء وذلك اثناء حرب فيتنام حينما برز سيناتور ولاية مينيسوتا واستطاع الحصول على 42 بالمئة من الاصوات في ولاية نيو همشير مقابل 49 بالمئة للرئيس ليندون جانسون الذي اعلن بعد ايام انتهاء حملته الانتخابية، وهنا ايضا قضى الشعب الامريكي على حظوظ رئيس للفوز بولاية ثانية واخرجوا القضية من يد خبراء السياسة الخارجية وهكذا يبدو واضحا ان الشعب الامريكي يسلم الامر الى خبراء السياسة الخارجية حينما تكون الاوضاع عادية لكن عند حدوث ازمة جدية ووجود قلق ما فان الشعب الامريكي يختار امساك زمام الامور بيده. ان الشعب الامريكي الان يساوره القلق والاضطراب، فسياسة امريكا في تغيير انظمة الدول الاخرى قد زادت عدم الاستقرار في الشرق الاوسط وهناك الكثير من الامريكيين الذين يعتبرون ان غزو العراق هو سبب ذلك، ومن جهة اخرى ازداد التوتر بين امريكا وروسيا وهناك الكثير من الامريكيين الذين يعتقدون بأن تدخل امريكا في المناطق التي كانت تعتبر منطقة نفوذ لروسيا هو سبب هذا التوتر، ان فكرة نشر الديمقراطية واسقاط الدكتاتوريين التي يريد الحزبان الديمقراطي والجمهوري الامريكيان تنفيذها ايضا لم تعد تلقى اقبالا لدى الشعب الامريكي.
وقد استطاع ترامب الاشارة بشكل جيد الى مكامن القلق هذه وهو يكرر ذلك في خطاباته، ان ترامب يسعى الى اخفاء نواياه خلف كلامه المعقد وهذا ما يؤدي الى التفاف شرائح كبيرة حوله.
ما نراه الان هو سعي الشعب الامريكي مرة اخرى للسيطرة على دفة السياسة الخارجية وانتزاعها من يد خبراء السياسة الخارجية الذين يعتبرهم الشعب سببا للاوضاع المتردية الحالية وللأسف يمكن القول ان الشيء الوحيد الذي يستطيع الشعب الامريكي فعله الان هو التصويت لصالح اشخاص مثل دونالد ترامب وايصاله الى مقعد الرئاسة.
ويدعي ترامب انه يستطيع ان يتصالح مع فلاديمير بوتين كما يعارض تقديم الدعم المالي والامني لحلفاء يمكنهم الدفاع عن أمنهم بانفسهم، ان ترامب لم يبد اي رغبة لترويج الديمقراطية ومتابعة حقوق الانسان في العالم بل يعتبر الدفاع عن حدود امريكا اولى اولوياته ويريد اعادة امريكا الى حالة عدم الانحياز.
ان ترامب يريد قيادة السياسة الخارجية الامريكية في مسار آخر وان الرسالة المفتوحة التي وجهها الجمهوريون تظهر معارضة هؤلاء لهذا المسار الجديد، ان الرسالة التي حررها اشخاص يتمتعون بالخبرة في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية تصور ترامب كشخص غير مناسب على الاطلاق لتولي منصب الرئاسة، وتقول الرسالة ان ترامب ليس فقط خطرا على السياسة الخارجية التقليدية الامريكية بل هو ايضا خطر على الحريات الفردية في امريكا وان نظرة ترامب للنفوذ والقدرات الامريكية في العالم المضطرب الان هي نظرة متناقضة كما ان سياساته تؤدي الى كارثة اقتصادية.
ورغم ان هذه الرسالة تشير بشكل مختصر الى اسباب ازدياد شعبية ترامب لكنها لم تبذل جهدا لادراك الشعور السياسي للشعب الامريكي والذي يقف وراء ازدياد هذه الشعبية.