الوقت- أظهرت السعودية إرتياحاً شديداً عقب زيارة الرئيس الأمريكي "بارك أوباما" إلى المنطقة، وعقده قمة أمريكية - خليجية أفضت إلى جملة من التطمينات التي أرادتها السعودية بعد فترة من القلق الخليجي إزاء "عقيدة أوباما" تجاه دول المنطقة وعلاقاته مع حلفاءه التقليديين، وفي مقدّمتهم السعودية.
لم يتوجّه الرئيس الأمريكي إلى المنطقة دون إرسال حزمة من التطمينات سواءً لناحية ما يسمونه بحماية أمن الخليج الفارسي والتصدي الحازم للخطر الإيراني، أو لناحية تكثيف الإدارة الأمريكية ضغوطها على الكونغرس لمنع تمرير مشروع "11 سبتمبر" والذي من شأنه أن يتيح تسمية السعودية كمتهمة ومسئولة أمام القضاء الأمريكي، حيث رد البيت الأبيض على كلام مرشحي الرئاسة "هيلاري كلينتون" و"بارني ساندرز"، اللذان أيدا طرح الكونغرس مطالبين بمحاسبة السعودية، عبر أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي، "بين روديز" الذي قال: "إن حكومة السعودية لم تقم بدعم أفراد تنظيم القاعدة الذين نفذوا الهجمات بل أفراد سعوديين".
لم تقتصر تطمينات "أوباما"، الذي لا يريد أن ينهي الأشهر الثمانية الباقية من عهده بكارثة إقتصادية حذّره منها البعض في حال أقدمت الرياض على سحب الأموال المقدّرة بأكثر من 750 مليار دولار من الأسواق الأمريكية، على ما قبل القمة، بل نجح "أوباما" في تطمين السعودية في كلمته أمام القمة الخليجية وفي مؤتمره الصحافي الذي أعقبها وفي البيان الختامي الذي أكّد "أن العلاقات مع طهران لن تكون على حساب الالتزام الأمريكي بضمان أمن الخليج الفارسي، ولا تعني التغاضي عن تصرفاتها التي تثير قلق دول المنطقة".
بعد الزيارة، هدأت نيران قانون 11 سبتمبر، لاسيّما بعد تأكيد "أوباما" إعتراضه على القانون، ليصدر الرئيسان المشتركان للجنة التحقيق الأميركية الرسمية بشأن هجمات الـ11 من سبتمبر/أيلول 2001، بياناً مشتركاً الجمعة22 إبريل/ نيسان 2016، بعد يوم واحد من القمة الأمريكية-الخليجية، قالا فيه؛ إن المحققين لم يجدوا خلال تحقيقاتهم أي دليل يشير إلى أي دور للسعودية في الهجمات، رغم وجود 15 مهاجماً من أصل الـ19 يحملون الجنسية السعودية، مؤكدين أهمية أن يطلع الجمهور على ما أنجزته اللجنة في "تقرير الـ28 صفحة".
لم تكن كل هذه التطمينات الأمريكية، ورسائل "حسن النية" دون مقابل، بل شاهدنا مفاعيلها في الجنوب اليمني حيث حاولت السعودية كسب الرضا الأمريكي عبر مهاجمة تنظيم القاعدة، فرع اليمن الأخطر في التنظيم، حيث تقصف طائرت الإستطلاع الأمريكية دون أي جدوى. تطورات المشهد الأمريكي-السعودي دفعت بالعديد من الخبراء للحديث عن صفقة كبرى أبرمها الرئيس "أوباما" مع الملك "سلمان" قبل أشهر من إنتهاء ولايته، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: إن هذه الزيارة بكافّة تفاصيلها تصب في خانة حرب الوكالة التي إعتمدها الرئيس الأمريكي سواءً في العراق، سوريا وحالياً اليمن. "أوباما" يسعى من خلال تركيزه على "إيران فوبيا" والتصدي لما يسمونه "الخطر الايراني وانشطة الدولة الفارسية لزعزعة استقرار المنطقة بحسب توصيف الادارة الامريكية" أولاً عزل إيران عن محيطها، لاسيّما بعد الإتفاق النووي، وبالتالي إبقاءه في يد واشنطن، وليس آخراً عقد المزيد من صفقات السلاح حيث باتت السعودية تحتل المرتبة الثالثة عالمياً لناحية الإنفاق العسكري، وهذا ما أوضحه مسؤول أمريكي على هامش الزيارة حيث قال أن "بلاده تقترح على دول الخليج الفارسي تكثيف التعاون الدفاعي، خصوصا تدريب القوات الخاصة وتنمية القدرات البحرية لمواجهة نشاطات زعزعة الاستقرار الإيرانية". كذلك، يأتي الهجوم على القاعدة في الجنوب اليمني في الإطار نفسه حيث ترى واشنطن أن الهجوم الاخيرة سيخفّف عن كاهل الإدارة الأمريكية التكاليف الإقتصادية، إضافةً لفاعلية أكبر على الأرض بإعتبار أن الضربات الجوية لم تجد نفعاً خلال العقد الماضي.
ثانياً: لم يكن الخلاف الأمريكي مع السعودية خلال الفترة الماضية بسبب تمرّد الأخيرة أو سعيها لتقاسم الحصص مع واشنطن، بل بسبب فشلها في تنفيذ الأجندة الأمريكية. ما زاد في طين "العلاقة الإعلامية" بلّة التهم التي تلقّتها الرياض من المنظمات الحقوقية سواءً بسبب جرائمها في اليمن، أو دعمها للجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، ولعل نقمة الداخل الأمريكية على ما يسمونه بـ"الإرهاب السعودي" فرضت على الإدرة الأمريكية تعديلات شكلية في العلاقة مع حليفتها العربية الأبرز في الشرق الأوسط.
قد لا تكون هذه النقاط كافية لتطمين السعودية حول مستقبل العلاقات مع واشنطن، لاسيّما بسبب العداء الداخلي سواءً الشعبي، الإعلامي أو التشريعي في الكونغرس، "أوباما" أراد الحفاظ على العلاقة مع الرياض في أشهره الأخيرة، إلا أن أي رئيس أمريكي مقبل في حل من كافّة عهود "أوباما"، لاسيّما باب "11 سبتمبر" الذي ينفتح كل كم سنة مرّة.
السعودية تدرك هذه الحقيقة جيّداً، حقيقة فجّرها الأمير "تركي الفيصل" رئيس الاستخبارات السعودية السابق بتصريحات نارية اطلقها بالتزامن مع وصول "اوباما" إلى الرياض حيث أكد أن "الأيام الخوالي" مع واشنطن انتهت إلى غير رجعة ويجب أن يعاد تقييم العلاقة بين البلدين. تقييم واشنطن للعلاقة مع الرياض سيكون بنهاية الـ8 أشهر المتبقية من عهد الرئيس، حينها سترسم خطوط جديد لعلاقة مختلفة مع الرياض، لذلك أطلقة البعض على صفقة أوباما- سلمان "صفقة الـ8 أشهر".