الوقت- تزامنت زيارة رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” إلى العاصمة المصرية مع محاولات الرئيس العراقي “فؤاد معصوم” لاستعادة دور بغداد على الساحتين الاقليمية والعالمية، زيارة تعكس التوجه الحكومي لفتح صفحة جديدة للعراق مع محيطه الإقليمي والعربي بعد علاقات اتسمت بالتشنج والبرود في الفترة السابقة.
يعتبر الفتور عنوان المرحلة السابقة في العلاقات العراقيةـ المصرية، التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق علم 2003، وأُلقي باللوم فيها على الجانب العراقي، وسط اتهامات بتهاون بغداد في توفير الحماية للسفير المصري السابق لديها “إيهاب الشريف”، الذي اغتيل في بغداد منتصف عام 2005، كما أن اغتيال رجل الدين الشيعي “حسن شحاته“ أيام حكم الرئيس المعزول “محمد مرسي” أدى الى تدهور العلاقات، والى حد تلويح بغداد بقطع العلاقات مع القاهرة.
زار “العبادي” منذ توليه لمنصبه في تموز الماضي عدد من الدول العربية والإقليمية، وذلك لبحث ملفات كثيرة يتصدرها الملفان الأمني والاقتصادي، ولكن زيارة القاهرة كانت أبعد من ذلك بكثير، لذلك تشكل زيارة رئيس الوزراء العراقي للقاهرة فرصة مناسبة لإلقاء الضوء على المصالح المشتركة بين البلدين، والتي تبدأ من مكافحة الإرهاب مروراً بملفات المنطقة العربية، ولا تنتهي بالاهتمام المصري في استيراد النفط العراقي.
العبادي دعا خلال لقائه الرئيس المصري الى تنشيط العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين -العراقي والمصري، من جانبه أكد السيسي على أن السياسة المصرية داعمة للعراق ووقوف مصر معه في حربه ضد الإرهاب واستعدادها لتقديم أي شكل من أشكال الدعم والمساعدة للعراق، وفي جميع المجالات والتنسيق المشترك معه في القضايا، التي تهم البلدين، مشدداً على أن أمن مصر هو أمن مشترك مع العراق. الترحيب الكبير الذي حظي به العبادي على المستويين السياسي والروحي في الازهر الشريف رسالة واضحة تعكس عمق العلاقات بين مصر والعراق، مما يعني أن العلاقات بين البلدين ستعود أقوى مما كانت عليه، كما أن وصول النفط والغاز العراقي الى مصر سيعطي العلاقات المشتركة دفعا مميزا الى مستوى غير مسبوق من التعاون النفطي والأمني والسياسي والاقتصادي.
الزيارة الاستراتيجية للقاهرة حملت في طياتها أهداف ما فوق استراتيجية قد تعيد الى مصر دورها الريادي، فالتقارب العراقي المصري يعني بشكل أو بآخر اقتراب القاهرة من محور المقاومة، وبالتالي انسحابها تدريجياً من الفلك السعودي وما يمسى بمحور"الاعتدال العربي"، ولا يخفى على ذو لب فطن أن التقارب المصري العراقي يؤثر بشكل كبير على مسار الأزمة في سوريا، تقارب قد يعيد الاستقرار لمنطقة عانت كثيراً جراء الأعمال التي تقوم بها التيارات التكفيرية المدعومةً من بعض دول المنطقة.
يكتسب الدور المصري في العالم العربي أهمية خاصة ومُميزة، سواء في العصر الحاضر أو على مدار التاريخ حيث ارتبطت كل قضايا الأمة المصيرية وحركات التحرر في العالم العربي بمصر فحظيت بدعمها ومساندتها، لذلك ان التعاون والتنسيق بين الأزهر ومرجعية النجف باعتبارهما مؤسستين دينيتين راعيتين للفكر المعتدل ضد الفكر التطرفي الاستئصالي، سيسحب البساط من تحت أقدام السلفية السعودية التي أسست للارهاب والفكر الضلالي في المنطقة.
توطيد العلاقات بين القاهرة وبغداد لاقت انتقاداً واسعاً من قبل بعض الأصوات الشاذة التي تسبح في الفلك الصهيوني، فقد تزامنت زيارة العبادي مع تعرض الشعب العراقي لاهانة من قبل الاعلامي المصري المثير للجدل، احد أعمدة فضائية الفراعين المصرية توفيق عكاشة، حيث وصف الشعب العراقي بكلام في منتهى السقوط الأخلاقي والادبي. من يعرفه جيداً لن يفاجأ بتصريحاته الأخيرة فهو شتم الشعب الفلسطيني سابقاً، كما أنه قال في "مقلب" للكاميرا الخفية قبل سنة إنه مع تسليم المسجد الأقصى للكيان الصهيوني والتخلي عن القدس نهائيا، ثم عاد بعد اكتشاف المقلب ليبرر تصريحه "الشاذ" بالقول إنه تعرض للخديعة .
الاعلامي صاحب "اللسان البذيء" لا يتوقف عن السخرية من المقاومة، بل يضع خصومته مع التيار الإسلامي عموما، وجماعة الإخوان تحديدا في المقدمة، وجميعنا يذكر استضافة عكاشة على قناة فرانس 24 ، ومواجهته إسرائيلية في الأستديو، اعترفت بارتكاب دولتها جرائم حرب، بالقول غاضبا: "ليس من حقك ادعاء ذلك"!!
بالعودة الى زيارة العبادي نستطيع القول أن هذه الزيارة فتحت أفاق استراتيجية لبناء علاقات قوية مع مصر ستعود بالفائدة على شعوب المنطقة فضلاً عن الشعبين العراقي والمصري، كما أن الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء المصري الى بغداد تمهد الطريق لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للعراق لفتح آفاق أوسع للتعاون وتوطيد الإخوة والمصالح الاستراتيجية العليا بين البلدين، علاقة أحوج ما نكون اليها في هذا الزمن الصعب.