الوقت- إن الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي، هي من الدول النادرة في العالم التي يحكمها نظام ملكي وراثي ويقودها ملوك بالمعنى التقليدي للكلمة، الملوك الذين يمتلكون كل شيء في بلادهم، الحجر والشجر وحتى البشر، ثم يتوارثون الدولة ومقدراتها وثرواتها من جيل إلى جيل. وقد قدر الله أن تكون البلاد التي يحكمونها هي الأغنى في العالم، حيث أن هذه البلاد تعوم على بحر من البترول يبلغ نصف الاحتياطي العالمي. كما تتمتع هذه الدول بموقع استراتيجي هام فهي تقع في المنتصف بين أوروبا وشرق آسيا.
من هنا بدأت قصة الغرام المتبادل بين الدول الخليجية وبين الوجود العسكري للدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لكل من الجانبين مصالحه التي يلبيها الطرف الآخر، إلا أن هذه العلاقة بين الطرفين تختلف عن العلاقات الطبيعية بين دول العالم، فالمصالح التي يطلبها كل من عند الآخر ليست مصالح مشروعة، فقد جرّت هذه العلاقة على شعوب العالم والمنطقة الكثير من الويلات، وجعلت منطقة الشرق الأوسط تغرق في القلاقل والحروب وتعيش حالة من عدم الاستقرار الدائم. فما هي المصالح التي اكتسبتها كل من دول الخليج والدول الغربية من الآخر؟ وما هي انعكسات العلاقة بين الطرفين على العالم والمنطقة.
مصالح دول الخليج:
"إننا لن نضع قواتنا في أماكن لا يُرحب فيها بنا".. بهذه الكلمات أجاب وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد على سؤال وجه إليه بخصوص مستقبل القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج الفارسي وفي السعودية خاصة، نعم لقد كان رامسفيلد صادقاً في جوابه هذا، فالحكومات الخليجية ترحب وبشدة بوجود القواعد الأمريكية في بلادها، ويعود ذلك لكونها حكومات غير شرعية، لم تأت عن طريق الانتخاب، فهي فاقدة للقاعدة الشعبية والتي تمثل أهم أركان الحكم، وبذلك لا يمكن أن تستمر في السلطة إلا عن طريق استقدام القوات الأجنبية إلى بلادها، وهذه القوات الطامعة بثروات المنطقة والتي يهمها استمرار تدفق النفط إليها بأمان، ستعمل على ألا تتعرض الدول الخليجية صاحبة أكبر احتياطي بترولي في العالم لأي متاعب أو قلاقل داخلية.
مصالح أمريكا والغرب:
ضمنت أمريكا والدول الغربية من خلال نشرها لقواعدها العسكرية في الخليج الفارسي، تدفق البترول بأسعار معقولة وبلا عوائق من منطقة الخليج وكذلك ضمنت عدم تحكم أي قوة معادية أو منافسة للولايات المتحدة في بترول الخليج، وبذلك بقيت وحتى الوقت الحالي أكبر مسيطر على منابع الطاقة في العالم.
مولت السعودية عمليات تجنيد من أطلق عليهم لقب "مجاهدين" للقتال ضد القوات السوفيتية الغازية، ونشطت الاستخبارات السعودية في تشجيع الشباب العربي في السفر لأفغانستان، وقدمت العون للاستخبارات الباكستانية والأمريكية في الشئون اللوجيستية لتسهيل دخول المجاهدين العرب إلى أفغانستان وبذلك استطاعت أمريكا تخرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان دون أن تتكلف سنتاً واحداً.
كذلك قامت دول الخليج الفارسي والسعودية على الخصوص بجهود كبيرة لاحتواء تداعيات الثورة الإيرانية، من خلال دعم النظام البعثي في العراق، وتغذية التيارات المناهضة للشيعة، وتحمل عبء مواجهة الثورة الاسلامية نيابة عن أمريكا.
كما قامت دول مجلس التعاون الخليجي بدفع مليارات الدولارات لأمريكا من أجل الحصول على أكثر الأسلحة المتطورة في العالم بداعي حماية أمن الخليج الفارسي، والتي سوف يقوم الأمريكيون بتشغيلها بسبب عدم توافر الكفاءات الوطنية القادرة على تشغيلها، ومن ثم استلام مبالغ طائلة لصيانتها واتلافها إن اقتضت الضرورة.
وقد قدمت دول الخليج خدمات كبيرة للولايات المتحدة والغرب من خلال تسهيل غزو أفغانستان والعراق، حيث انطلقت الطائرات الأمريكية الغازية من القواعد الجوية في منطقة الخليج الفارسي.
انعكاسات العلاقات الخليجية الأمريكية على المنطقة ودول الجوار
أما الثمن الذي دفعته المنطقة نتيجة لهذه العلاقات الأمريكية مع دول الخليج الفارسي فكانت تقويض استقرار العلاقات العربية- الإيرانية على المستوى السياسي، وكذلك تقويض استقرار العلاقات الإسلامية المذهبية السنية- الشيعية. الأمر الذي شكل فيما بعد البيئة الحاضنة لنشوء التيارات التكفيرية والجماعات الارهابية.
كما ظلت الإدارات الأمريكية تروج إلى (الخطر الإيراني) في منطقة الخليج الفارسي، وظل المسؤولون والخبراء الأمريكيون باستمرار يقومون بتسويق هذا الخطر للنخب الخليجية، وذلك على النحو الذي دفع هذه النخب إلى توريط بلدانهم ومجتمعاتهم الصغيرة في واحدة من أكبر وأخطر سباقات التسلح في العالم. ولكن إيران تحشد قواتها العسكرية ليس خوفاً من دول مجلس التعاون الخليجي، لأنها تعرف أن الخليجيين لن يهاجموها، وتدرك تماماً بأنها لا تنوي تحت أي ظرف احتلال بلدان الخليج، وإنما تحسباً للوجود الأمريكي العسكري، الذي تسبب الخليجيون في جلبه للعراق، وفي جلبه لأنفسهم.
على دول الخليج أن تعلم بأن حالة الغرام المتبادل مع الشريك الأمريكي لن تستمر، ويبدو ذلك جلياً في الخلافات التي بدأت تظهر إلى العلن بين الجانبين، وسببها بالدرجة الأولى الأبن العاق الذي بدأ ينغّص على الطرفين، ونقصد هنا الارهاب الذي نشأ في كنف هذه العلاقة واليوم تصل نيرانه إلى أطراف بلدانهم، ويمكن للبلدان الخليجية الاستغناء عن الغرب وقواعده العسكرية وذلك من خلال تعزيز علاقتهم بجيرانهم وخاصة العراق وايران واليمن، والكف عن الاستماع للاملاءات الأمريكية، والاستماع لشعوبهم والاعتماد على محيطهم العربي والاسلامي في حفظ مصالحهم.
