الوقت - في ظل تصاعد نبرة التهديدات الصهيونية باجتياح غزة وتدميرها، أطلق "يسرائيل كاتس" وزير حرب الكيان الصهيوني تصريحات متغطرسة، تفيض بالعجرفة والتبجح، مهدداً بمحو غزة من الوجود إذا لم تطلق حماس سراح الأسرى الإسرائيليين.
تزامنت هذه التهديدات الجوفاء مع إعلان جيش الاحتلال الشروع في عملية توغل بري في شمال القطاع وجنوبه، عقب إلغاء الكيان المحتل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بصورة أحادية فجر الثامن عشر من مارس الجاري، وارتكابه مذبحةً مروعةً راح ضحيتها قرابة سبعمئة مدني في بقعة جغرافية محدودة خلال أقل من أسبوع.
نهج المقاومة في تكبيل حركة الکيان وشل قدراته
رداً على غطرسة الکيان الصهيوني وتهديداته المتتالية، أماطت مصادر خاصة من فصائل المقاومة الفلسطينية اللثام، في حديثها مع الجزيرة، عن جهوزية المقاومة للثبات في وجه العدوان الصهيوني، مبرزةً أن المقاومة الفلسطينية أعادت صياغة خططها الميدانية لمجابهة آلة الحرب الصهيونية، مستندةً إلى رصيد وافر من الخبرات المتراكمة في المواجهة المباشرة مع الصهاينة على امتداد أربعمئة وسبعين يوماً من نار الحرب المستعرة.
وشددت هذه المصادر على أن المقاومة تتبنى استراتيجيةً دفاعيةً تتسم بالمرونة والفاعلية، ترتكز على خلاصة التجارب الميدانية وفنون حرب العصابات التي أتقنها مقاتلوها، وقد برهنت المقاومة على مرّ الأيام على مقدرتها الفائقة في قلب موازين القوى، وتحويل مسار المعركة لمصلحتها رغم التفاوت الهائل في العتاد والعدة.
ووفقاً للمصادر المطلعة، تعتمد المقاومة في منهجها القتالي على توزيع مقاتليها إلى مجموعات متفرقة، تستهدف في المرحلة الأولى جنود الاحتلال في بقاع متنوعة من قطاع غزة، ثم تشقّ طريقها إلى المناطق السكنية عبر هجمات خاطفة وأحزمة نارية محكمة التخطيط.
تكتيكات فتاكة تباغت الصهاينة وتزرع الرعب في قلوبهم
يكشف التقرير أن المواجهة المرتقبة مع قوات الاحتلال الصهيوني في الأيام القادمة، ستتخذ طابعاً مغايراً للنمط التقليدي المألوف، حيث ستعوّل المجموعات المقاتلة الفلسطينية على أسلوب الكمائن المتطورة والضربات المباغتة، مهاجمةً جنود الاحتلال من خلف خطوط التماس ومن زوايا لا تخطر على بال، على غرار ما نفذته بمهارة فائقة في الأشهر الأخيرة قبل سريان وقف إطلاق النار في شمال القطاع، وخاصة في مدينة بيت حانون، حيث ألحقت بالمحتلين خسائر فادحة، وأذهلت قادة الكيان بإيقاعها عدداً وافراً من جنود النخبة في شراك الموت.
وأكدت هذه المصادر أن فصائل المقاومة الفلسطينية رصدت بعين ثاقبة سلوك "إيال زامير"، رئيس أركان جيش الكيان الصهيوني الجديد، في توسيع رقعة الهجمات على غزة وشن هجوم بري على القطاع، ولم يكن ذلك مفاجئاً لها، وقد أثبت أسلوب توزيع مقاتلي المقاومة إلى مجموعات صغيرة لمواجهة جنود الاحتلال، ونصب الشراك المتفجرة في مسارات تقدم العدو، نجاعةً بالغةً في إيقاع خسائر موجعة في صفوفهم.
وأشارت المصادر إلى براعة فصائل المقاومة في استغلال مخلفات الأسلحة المتفجرة للكيان المحتل، لتجهيز عبواتها الناسفة وتفجيرها في طريق جنود الاحتلال دون الدخول في اشتباك مباشر معهم، وقد تكللت هذه العمليات بالنجاح في غالب الأحيان.
المقاومة تترصد كل فرصة سانحة لأسر جنود الاحتلال
استناداً إلى هذه المصادر، أخضعت فصائل المقاومة جولات المواجهة السابقة مع قوات جيش الاحتلال لتحليل دقيق ومستفيض، وباتت تدرك بعمق مكامن الضعف في بنية الکيان، لا سيما في ميدان حرب المدن والقتال داخل شبكة الأنفاق، وقد خلصت المقاومة، من خلال استقراء سلوكيات الکيان، إلى أن الروح المعنوية للجنود الصهاينة قد تدهورت بصورة ملحوظة، ويعزى ذلك إلى استطالة أمد الحرب دون تحقيق الأهداف المعلنة للكيان الصهيوني، وفي مقدمتها القضاء على شوكة المقاومة وتحرير الأسرى الصهاينة بقوة السلاح، دون اللجوء إلى اتفاق تبادل.
وأفادت المصادر بأن المؤسسة العسكرية للكيان الصهيوني قد ضاقت ذرعاً بنهج حكومة نتنياهو المتخبط، ولم تعد تجد مسوغاً للتضحية بمزيد من عناصرها في أتون حرب عبثية لا تلوح في أفقها بارقة نهاية، وتوظف فصائل المقاومة ترسانتها من الأسلحة المصنعة محلياً في المواجهة المباشرة مع قوات الاحتلال، وقد نجحت خلال فصول الحرب في دكّ مواقع الکيان بوابل من الصواريخ قصيرة المدى، مما أربك حسابات الصهاينة وبعثر أوراقهم.
ويؤكد التقرير أن المقاومة تستند إلى رصيد وافر من الخبرة والمرونة في التكيف مع متغيرات الميدان، بينما تتملك الصهاينة خشيةٌ بالغة من الوقوع مجدداً في شراك حرب استنزاف طويلة الأمد، ولن يفوت مقاتلو المقاومة أي فرصة سانحة لاقتناص جنود صهاينة، أحياءً كانوا أم أمواتاً، واستثمارهم كورقة ضغط عسكرية وسياسية ونفسية ضد المحتلين، ما يضع الكيان الصهيوني أمام معادلة هزيمة داخلية لا طاقة له باحتمالها، ويبعثر أوراق التفاوض على الصعيدين الميداني والسياسي.
قوات جيش الاحتلال تفتقر إلى الحافز للانخراط في أتون الحرب
في المقابل، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية في تقرير حديث لها، النقاب عن مخطط إسرائيلي لاحتلال قطاع غزة بأكمله وفرض حكم عسكري في المنطقة، بهدف إحكام القبضة على سكان غزة وتقويض نفوذ حماس.
وأضافت الصحيفة العبرية إن الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب، لا تعتزم ممارسة أي ضغوط على حكومة نتنياهو للعودة إلى مائدة مفاوضات تبادل الأسرى، بل ستمدّ يد العون لأي عملية برية واسعة النطاق في غزة، وتدرس "إسرائيل" إمكانية إبرام صفقة تبادل محدودة للأسرى، لكنها تستعد في الوقت ذاته لعملية عسكرية أشمل إذا ما أخفقت المساعي التفاوضية.
وأكدت "هآرتس" أن نتنياهو يعتزم استغلال الأزمة العسكرية والسياسية التي أعقبت إقالة رئيس جهاز الشاباك، كذريعة لترسيخ موقعه في سدة السلطة، وإرجاء محاكمته إلى أجل غير مسمى.
وأماطت الصحيفة العبرية اللثام عن حالة من السخط العارم تسود صفوف عناصر سلاح الجو الإسرائيلي، وكذلك قوات الاحتياط إزاء سياسات الحكومة، وتشير بعض التقارير إلى احتمال امتناعهم عن مواصلة الخدمة في صفوف الجيش، وهو ما قد يشكّل تحدياً جسيماً لحكومة الكيان في تنفيذ مخططاتها العسكرية والسياسية.
كما أفصح موقع "حدشوت بزمان" العبري في تقرير له، عن أن كل من يروج في وسائل الإعلام الإسرائيلية لفكرة تفكيك حماس، إنما يعيش في عالم الأوهام والخيالات، فقد استأنفت حماس خلال الأشهر الأخيرة تصنيع الصواريخ، والأنكى من ذلك أنها تستثمر المواد المتفجرة من مخلفات الأسلحة الإسرائيلية التي بقيت في أرض غزة.
وشدد المصدر العبري على أن حماس ما زالت تحتفظ بقدراتها القتالية، ولم ترفع بعد وتيرة هجماتها إلى ذروتها، وكانت هذه الحركة قد أعدت العدة لمواجهة العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، لذا فإن التقارير التي تتحدث عن احتواء حماس وإضعاف شوكتها، لا تعدو كونها أضغاث أحلام.