الوقت - شهدت باكستان خلال السنوات القليلة الماضية سلسلة من الهجمات الإرهابية كان أبرزها الهجوم الذي تبنته حركة "طالبان باكستان" واستهدف مدرسة بمدینة بیشاور و راح ضحیته 141 شخصاً غالبیتهم من الأطفال.
وبعد هذه الهجمات قرر الجيش الباكستاني إطلاق عملیة عسکریة واسعة تحت مُسمى "ضرب عضب" للقضاء على التنظيمات الإرهابية لاسيّما في منطقة وزيرستان الشمالية، وحظیت هذه العملية بتأیید الشعب ومعظم الأحزاب السياسية لاسيّما الفاعلة في البرلمان الباکستاني.
ورغم شعور الحكومة الباكستانية برئاسة "نواز شريف" بضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد باعتبارها أولوية، إلاّ انها شعرت في نفس الوقت بأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه دون استتباب الأمن في مختلف أرجاء البلاد، والقضاء على الجماعات الإرهابية لاسيّما حركة "طالبان باكستان" وتنظيم القاعدة وشبكة حقّاني.
وتدرك حكومة إسلام آباد جيداً أن حركة "طالبان باكستان" تمثل العمود الفقري للجماعات الإرهابية التي تنشط في البلاد خصوصاً في المناطق الشمالية والشمالية الغربية، ولهذا قررت الدخول معها بمفاوضات سلام، في وقت كانت فيه المؤسسة العسكرية تسعى لإفشال هذه المفاوضات وتصر على مواصلة عملية "ضرب عضب" ضد الجماعات الإرهابية.
وانهارت هذه المفاوضات بعد إعدام طالبان لـ 23 جندي من حرس الحدود كانوا قد تم اختطافهم عام 2010. كما تضررت المفاوضات بشكل كبير بعد الهجوم على مطار كراتشي الذي أعلنت طالبان مسؤوليتها عنه والذي أسفر عن مقتل 28 شخصاً.
ومن أجل تقوية موقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي قررت حكومة "نواز شريف" تعزيز علاقاتها مع الحكومتين الأمريكية والسعودية من جهة، واستئناف مفاوضات السلام مع الهند لإنهاء التوتر بين البلدين من جهة أخرى، إلاّ أنها لم تتمكن من تحقيق ما كانت تصبو اليه في هذا المجال بسبب إصرار قادة الجيش على مواصلة العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية من جانب، ووضع العراقيل بوجه مفاوضات السلام بين إسلام آباد ونيودلهي من جانب آخر. ولهذا لم يتمكن "نواز شريف" من رسم السياسة الخارجية للبلاد كما يشاء نتيجة تدخل المؤسسة العسكرية التي تتمتع بنفوذ كبير في الأوساط الحزبية خصوصاً المعارضة للحكومة والمؤثرة في البرلمان.
وبعد أن اقتنعت حكومة إسلام آباد بدور المؤسسة العسكرية في رسم السياسة الخارجية اضطرت لدعم عملية "ضرب عضب" وتعيين الجنرال "ناصر جنجوعة" في منصب مستشار الأمن القومي الباكستاني للتنسيق مع قادة الجيش في هذا المجال.
ومن الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة الباكستانية للحد من العنف والإرهاب في البلاد إغلاق عشرات المدارس "الدينية" الممولة من الخارج لاسيّما من السعودية لدورها في تأجيج التطرف، وذلك في إطار خطة العمل الوطني لمكافحة الإرهاب التي وضعت بإجماع كافة الأحزاب الباكستانية في ديسمبر ۲۰۱٤.
من جانب آخر تحركت حكومة "نواز شريف" باتجاه دعم مفاوضات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان أفغانستان لأنهاء التوتر في هذا البلد، في وقت لازالت المؤسسة العسكرية الباكستانية تعمل على إفشال هذه المفاوضات كي تبرر إصرإرها على مواصلة عملياتها ضد الجماعات الإرهابية لاسيّما حركة طالبان باكستان.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن قادة الجيش الباكستاني لا زالوا يحظون بتأييد العديد من الأحزاب والشخصيات الباكستانية التي ترى في استمرار التوتر في أفغانستان وكذلك التوتر بين إسلام آباد ونيودلهي فرصة مناسبة لتقوية نفوذها وتعزيز دورها في رسم السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، ولهذا تعمل هذه الأطراف على دعم الجماعات المناهضة للحكومتين الأفغانية والهندية لتحقيق مكاسب ضيقة رغم علمها أن هذه السياسة لن تخدم باكستان على المدى البعيد ولن تهيء الأرضية المناسبة لعودة الأمن والاستقرار الى ربوعها والذي يشكل بدوره مقدمة ضرورية وملحّة للنهوض بباقي القطاعات لاسيّما القطاع الإقتصادي.