الوقت- انشغلت القوى السياسية الحاكمة و وسائل الإعلام منذ عقد من الزمن، بالبحث فيما يسمونه مخاطر البرنامج النووي الإيراني وبدات الدول بالتباري في اعلان مواقفها حول الملف السلمي لصنع القرار السياسي والعسكري نتیجة قلقها الشديد المصطنع من البرنامج الإيراني. وكثيرا ما لوح قادة الدول بالخيارات العسكرية العملية التي من الممكن أن يلجؤوا الیها من أجل منع إيران من تطوير برنامجها النووي. فما سبب ذلک؟ ولماذا لم یصدر حتی الان قرار الوکالة الدولیة للطاقة الذریة بسلمیة البرنامج النووي الایراني؟
لطالما اظهرت الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة حسن نوایا فی برنامجها النووي فالهدف منه أغراض سلمیة بما يتفق مع وقود لمحطة طاقة نوویة مدنیة. معلنة عدم نیتها التوصل الی صنع اسلحة نوویة و کان القائد الاعلی للثورة الاسلامیة في ایران الامام الخامنئي (دام ظله) قد أصدر العام الماضي فتوى تحرم إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل، حینها أعلنت الحكومة الإيرانية أن هذه الفتوى ملزمة لها، موضحة عن استعدادها لتسجيلها في الأمم المتحدة كوثيقة رسمية.
وبعد سلسلة من عملیات تفتیش للمواقع النوویة الایرانیة و بعد عقد العدید من الاجتماعات اعتبرت الوکالة الدولیة للطاقة الذریة انها لا تزال غیر قادرة علی اثبات ان ایران تسعی لامتلاک و صنع قنابل نوویة، ولکنها طلبت من ایران تعلیق نشاطها المرتبط بتخصیب الیورانیوم وهو ما رفضت ایران القیام به.
الواضح منذ بدايات البرنامج النووي الإيراني، ان "إسرائيل" ترفض هذا البرنامج و لا تريده، وتسعی دائما لمطالبة النظام الامیریکي بالوقوف ضد البرنامج الإيراني السلمي بأي وسيلة کانت، حتى ولو ان الحل جر المنطقة الی حرب ولا يخفي نتنياهو تهديداته بالهجوم على إيران بمفرده، ولكن خوفه من الدخول في هذه المعرکة کان اکبر من هذا التهدید. فبدا بالعمل السیاسي، فجند السعودية للوقوف ضد إيران عله یستطیع الوقوف بمساندة عربیة بوجه القوة الاسلامیة العظمی في الشرق الاوسط. و لکن المفاوضات بين إيران و الدول الست استمرت، لتدور في حلقة مفرغه، وذلک بسبب التعنت الإسرائيلي.
و من جهته اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما ان امريكا تسعى في الاساس الى انهاء قدرات ايران النووية لكن الامريكيين بعد ذلك قبلوا باستحالة هذا الامر وعمدوا الى ممارسة الضغوط والعقوبات الاحادية على ايران والان تتلخص السياسة الامريكية في السعي للتحكم بالبرنامج النووي الايراني.
و رغم التوافق الكبير بين كل من الکیان الغاصب و الإدارة الأميركية حول خطورة البرنامج النووي الإيراني، تدرك تل أبيب أن واشنطن لا ترغب في إظهارها كمن يلعب دور الشرطي في المنطقة، سيما في ظل الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل إعادة رسم المنطقة بما يخدم مصالحها، وبشكل يسمح لدول المنطقة بالتوافق مع المخطط الأميركي بأقل قدر من الحرج. و ترى "تل أبيب" أن هناك إمكانية لمنع تطور البرنامج النووي الإيراني عبر ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران. ولذلک يتوجب الاعتماد على واشنطن في تجنيد الضغط اللازم على الدول التي تمد إيران بالأجهزة والمعدات اللازمة لمنشآتها النووية.
ولم یقبل الامیریکیون یوما ایران النوویة و کانوا يقولون دائما ان ايران يجب ان تنهي تخصيبها لليورانيوم ولكنهم عادوا وقبلوا بالتخصيب في ايران بعدما وجدوا عدم جدوی الضغوط والعقوبات علیها. ومن الواضح ان السياسة الامريكية حیال البرنامج النووی الایرانی تتاثر لحد کبیر باللوبي الصهيوني رغم وجود جهات في داخل امريكا تسعى الى تحسين العلاقات مع ايران لما تراه مصلحة للولایات المتحدة.
بدوره سعی الاتحاد الاوروبي جاهدا الى حل المسألة النووية الايرانية و لكن العرقلة الامريكية - الصهیونیة حالت دون ذلك، وكانت السياسة الالمانية تجاه النووي الايراني في اطار السياسة الاوروبية تعارض وجود اي برنامج نووي لايران لكنهم فيما بعد قبلوا بوجود الدورة الكاملة لانتاج الوقود النووي وقبلوا بتخصيب ايران لليورانيوم بنسبة 5 بالمئة. و لکن الخوف علی مصالحها دفعها للانضمام فیما بعد الى سياسة امريكا وفرنسا وبريطانيا في فرض العقوبات الاحادية على ايران.
و الواضح ان فرنسا تتاثر عادة اكثر من غيرها في اوروبا بالسياسات والضغوط الصهيونية فقد انضمت في عام 2011 الى سياسة امريكا في فرض العقوبات الاحادية على ايران مراعاة للواقع الصهیونی المتخوف من هذا البرنامج السلمي.
و یری الکیان الصهیوني، في عدم التوصل لاتفاق بين الدول الست و إيران بشأن البرنامج النووي الایراني، و التوافق بدلا من ذلك علی تمديد المفاوضات لعدة أشهر إضافية "نتيجة كارثية" بالنسبة له، على اعتبار أن ذلك سيعطي إشارات بأن القوى المستعمرة مستعدة للتعاطي بإيجابية مع ما يعتبره الإسرائيليون "حيلا إيرانية" للمماطلة وكسب الوقت.
ولا یخفی ان الکیان لا یرید ان تتوصل الدول المستكبرة إلى اتفاق جديد مع طهران لا يقضي بشكل نهائي على برنامجها النووي وطموحاتها الإستراتيجية، حيث یرى أن أي اتفاق لا يحقق تلك الغاية إنما يتيح لطهران التخلص من العقوبات بغير مقابل، فضلا عن كسب الوقت والتحايل من أجل إنتاج القنبلة النووية ووضع المجتمع الدولي أمام الأمر الواقع.
وبناء عليه، بدا جليا ذلك التباين الواضح في غايات كل من إسرائيل والدول المستكبرة بشأن الموقف من برنامج إيران النووي ومصير المفاوضات التي تجري بهذا الصدد، فبدت تلك الدول عاجزة عن التوافق مع الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة علی برنامج سلمي بامتیاز ، لعدم توافقها مع المصالح الصهیونیة العلیا في المنطقة، ویبقی السؤال یطرح نفسه، هل تستطیع الدول "المستكبرة" اظهار حجمها ضد المصالح الاسرائیلیة؟ ام ان حجم الغطرسة الصهیونیة سیبقی معتمدا علی حجم الدول کقوة لفرض الهیمنة السیاسیة علی المنطقة؟؟