الوقت- و كأنه صدق بن غوريون عندما تنبأ بأن بداية زوال اسرائيل يكون بعد أول هزيمة تلحق بها، فمنذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 و لا يزال الكيان الغاصب يتلقى الضربة تلو الضربة، عاجزا عن تحقيق اي انتصار و لو شكلي، عله يعيد للمستوطنين و الجنود بعضا من الطمأنينة التي باتوا يحلمون بها.
لا تزال تداعيات حرب الخمسون يوما على غزة، التي أطلق عليها الصهاينة اسم "عملية الجرف الصامد" أو "العصف المأكول" كما يحلو لفصائل المقاومة الفلسطينية تسميتها، حتى اليوم تلقي بظلالها على الوضع الداخلي الاسرائيلي، من فشل منظومة القبة الحديدية التي عول المستوطنون عليها كثيرا لحمايتهم، الى تفاقم حالات اليأس و الاحباط في صفوف الجنود الذين شاركوا في المعارك أو سمعوا عنها من رفاقهم حيث فضل بعضهم الانتحار، الى الصراع الذي تفجر داخل حكومة نتنياهو المتخبطة، في ظل فشلها تجاه الاستحقاقات التي تواجهها.
فعلى الصعيد السياسي، تزايدت العثرات أمام حكومة نتنياهو والتي جاءت نتيجة السياسة الحادة التي تبنتها الحكومة، ضاربة بعرض الحائط كل الملاحظات التي وجهت لها الأحزاب المعارضة أو من الدول التي تعتبر حليفة لاسرائيل من تحت الطاولة أو من فوقها، و التي يمكن تلخيصها بما يلي:
أولا: عملية الجرف الصامد التي بدأتها اسرائيل في 8 يوليو 2014 لملاحقة الذين قتلوا الجنود الثلاثة، و القاء المسؤولية على حركة حماس التي لم تتبن العملية و قد تغير هدف الحملة العسكرية فيما بعد الى تدمير الأنفاق الفلسطينية، حيث زج الالاف من جنود النخبة في حملة برية غير مدروسة، وصلت الى تخوم قطاع غزة حيث دارت أشرس المعارك بين فصائل المقاومة و الجنود الصهاينة راح ضحيتها العشرات من القتلى و المئات من الجرحى في صفوف الاحتلال، و انتهت العمليات العسكرية بعد مفاوضات شاقة برعاية أممية.
ثانيا: المشاكل التي نشبت داخل الحكومة و خصوصا بين كل من نتنياهو على حدى و وزيري المالية و القضاء "يائير لابيد" و "تسيبي ليفني". فبعدأ، تحدث المراقبون عن حلول و انفراجات قريبة كان يجب أن تحصل بعد اجتماع نتنياهو بليفني و لابيد بشكل منفصل، على عكس ذلك تحولت هذه اللقاءات الى عبوات نسفت عقد الحكومة، حيث أعلن نتنياهو، خلال مؤتمر صحافي أمس، عزمه حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو القرار الذي اتخذه بعدما أقال لابيد وليفني، متهما إياهما بالعمل على تقويض سلطته و لم يقدم نتنياهو أسباب فعلية يمكن أن تقنع الجمهور الاسرائيلي الذي يهتم بالوضع الأمني و الاقتصادي بشكل أساسي. فسبب اقالتهم كانت حسب نتنياهو أدائهم البعيد عن الكفاءة و المعارض لسياسته معتبرا أنه «بوجود الحكومة الحالية، لا يمكن قيادة الدولة». ووصف الحكومة التي يعمل «وزراء ضدها» بالأمر السيئ جدا. وقال إن لابيد أخفق في إدارة الاقتصاد خلال توليه المالية، فيما وصف ليفني بأنها آخر من يعظ بتحمل المسؤولية.
ثالثا: اصرار حكومة الاحتلال على مواصلة بناء وحدات استيطانية جديدة في القدس المحتلة، ضاربة بعرض الحائط كل المعايير المتفق عليها و النداءات الدولية، ما زاد من النقمة الدولية عليها و أجج التوتر الفلسطيني الذي كان بارزا من خلال العمليات النوعية التي حصلت في القدس مؤخرا. ما عكس هشاشة الوضع الأمني في منطقة تعتبر في عمق الكيان الغاصب و تحت حماية و أمن مشدد نظرا لأهميتها الجغرافية و الدينية.
رابعا: فشل سياسة الحكومة الخارجية حيث لم تحظى حكومة نتنياهو على تأييد و دعم حصلت عليه الحكومات التي سبقتها، فقد اعترفت العديد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية ككيان مستقل، و قد عارضت عدة دول بشكل علني التوسع في الاستيطان في القدس الشرقية. كما أن المفاوضات النووية الايرانية مع دول 5+1 أظهرت تعارضا بين مصالح تلك الدول و اسرائيل التي لم تعد تستطيع الضرب على وتر الخطر الايراني كما في السابق.
هذه الأسباب و غيرها الكثير، كانت كفيلة لأن يعلن نتنياهو عن حل الكنيست و اجراء انتخابات مبكرة في مارس 2015 بعد أقل من سنتين على الانتخابات السابقة، ما يعكس ترديا على الوضع السياسي يعقبه حتما ترديا للوضع الاقتصادي الغير مستقر و الوضع الأمني على صعيد التسليح و العمليات الأمنية و الاتفاقيات الموقعة مسبقا.
على صعيد المستوطنين وجنود الجيش الاسرائيلي فالوضع ليس بأشفى حال، اذ تتفشى الأمراض العصبية و النفسية بشكل واسع في صفوفهم و هذا ما دعا بثلاث جنود شاركوا في الحرب الأخيرة ضد غزة الى الانتحار.بالاضافة الى مئات الجنود الذين تقدموا للخضوع للفحص النفسي بعد المعركة. و ينقم الجنود الذي اعترف العدو بمقتل 65 منهم بين جندي و ظابط، على الحكومة التي دخلت بالحرب دون دراسة أبعادها و على قيادتهم العسكرية التي قررت التوغل داخل قطاع غزة، فجوبهت بمقاومة عنيفة، من الأنفاق و البساتين و الأحياء المتشابكة ببعضها ما أثار حالات الرعب و الهلع في صفوف الجنود المشاركين في العملية و المستوطنون الذين شاهدوا العمليات المصورة.
على صعيد اخر كان لافتا منذ أيام العريضة التي وقع عليها عدد من الجنود الصهاينة التي تدعو الى عدم المشاركة في أي حرب أخرى في ظل الوضع الراهن و القيادة الحالية. و كان لافتا أيضا تعيين اللواء غادي ايزنكوت رئيسا لأركان الجيش، حيث تعهد بالتحضير لأي حرب مستقبلية ان مع ايران أو حزب الله، يشار الى أن ايزنكوت من المدرسة التي لا ترجح استعمال القوة الا عند الضرورة.
اذا فتهاوي بيت العنكبوت بدأ في الألفين و ما زال مستمرا، فمنذ ذلك الوقت لم تستطع اسرائيل أن ترد اعتبارها و لو مرة واحدة، و تحضيرات المقاومة في لبنان و غزة و الضفة الغربية التي دعا السيد الخامنئي لتسليحها، تجري على قدم و ساق في تحضير للحرب الكبرى التي ستقلع اسرائيل من الوجود.