الوقت- كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن بدء حراك دبلوماسي عربي خليجي لاعادة فتح السفارات في دمشق وتفعيل العلاقات الدبلوماسية معها، الا أنه من المؤكد أن قرار الكويت باعادة فتح السفارة السورية لن يمر مرور الكرام، فدول الخليج الفارسي لن تسمح بعودة العلاقات مع النظام السوري الى سابق عهدها الا اذا يأست وأيقنت عدم قدرة أي دولة في العالم على ضرب سوريا واسقاطها كما حالها اليوم، الا أن الفارق الوحيد حالياً بين الكويتيين وبعض جيرانها الخليجيين هوتعامل الكويت مع الواقع رغم مرارته في حين يتمنى البعض الأخر البقاء في سباته للعام الرابع خوفاً من حقيقة مؤلمة، سبات لن يغني ولن يسمن من جوع.
اذاً، الكويت وبعد ادراكها عدم جدوی مقاطعة النظام، أعلنت على لسان وكيل وزارة الخارجية "خالد الجارالله" أنها منحت تأشيرات دخول لثلاثة دبلوماسيين سوريين للعودة إلى العمل في سفارة بلادهم ولإعادة افتتاحها، "مستبعدةً عودة البعثة الدبلوماسية الكويتية الى دمشق في الوقت الحاضر" كما كان متوقعاً على مبدأ صعود السلم درجة درجة.
في العام 2012وفي اطار الهجمة الخليجية سحبت الكويت سفيرها من سوريا وطلبت من السفير السوري مغادرة البلاد، كما اغلقت السفارة السورية في الكويت بعد إعلان حكومة دمشق إغلاق سفارات لها في عدد من الدول من ضمنها الكويت، وتكليف قنصليات أو سفارات تابعة لها في دول أخرى مجاورة بالمهام القنصلية للسفارات المغلقة، إلى أنه من البديهي التساؤل عن جدوى سحب السفراء العرب و مدى تأثيرها على مجريات الأحداث على الحلبتين الداخلية و الخارجية بما يتعلق بالملف السوري و تداعياته؟ وهل تغيرت استراتيجية الدول الخليجية تجاه سوريا؟
أراد بعض الخليجيين العرب وبالتبعية، عزل النظام السوري وتعميق الأزمة و وإطالة أمد الحرب، لكن مع توالي سحب السفراء بقرارات من الجامعة العربية لم نر أي تأثير يذكرعلى الصراع، ناهيك عن رفض عدة دول عربية لهذه القرارات كالجزائر والعراق والسودان واليمن ولبنان، مما يؤكد أن قرارات الجامعة العربية "السطحية" كانت خليجية بامتياز، معتمدةً سياسة الكيدية مع النظام في سوريا. لو كانت قرارات الجامعة العربية تستند الى تستند لحقوق الشعوب ووقف إراقة دماء المتظاهرين، لما تغاضت عن ما يحدث في البحرين والسعودية، لأن الدولتان العربيتان المذكورتان ضمن عداد الدول التي تنتهك حقوق الإنسان ولا تسمح للتظاهر السلمي لمواطنيها.
عود على بدء فإن القرار الذي أعلن عنه "جار الله" في اعادة فتح السفارة السورية في الكويت حيث يتواجد اكثر من 130 الف سوري جدير بالاهتمام، وان دل على شئ انما يدل على رغبة الكويت في العودة الى صوابها وعدم الاكتراث للضغوط الخليجية، مع العلم أن الاتصالات بين دمشق والكويت خلال فترة الأزمة لم تنقطع ولو كانت تحت الطاولة.
خطوة الكويت الجريئة نسبياً تنقصها خطورة اضافية تتمثل بعودة السفير الكويتي الى الدمشق التي لم تغلق بابها في يوم من الأيام سوى في وجه العدو الصهيوني، وهي تعلم جيداً أن هناك بلدان اخرى بدات اجراءات لاعادة فتح سفاراتها ومن بينها دول اوروبية، خاصةً ان دبلوماسيين اوروبيين باتوا ياتون بشكل منتظم الى سوريا ويزاولون اعمالهم في سفاراتهم بدمشق وبعضهم يطلب مواعيد للتشاور مع القيادة السورية.
تونس أيضاً من المتوقع أن تقوم رسمياً بفتح السفارة في دمشق خاصةً بعد الانتخابات الأخيرة، مع العلم أنها فتحت مكتب في العاصمة السورية تحت ذريعة رعاية شؤون تونسيين انضموا الى الجماعات التكفيرية، ولا أستبعد أن تحذو بعض الدول الخليجية حذو الكويت، فالامارات على سبيل المثال لا الحصر أرسلت عدة مبعوثين الى دمشق في الاعوام الثلاثة الماضية.
ربما تكون عودة السفير الكويتي الى دمشق في الأسابيع القليلة القادمة الخطوة الثانية للكويت،ومن المؤكد أن سوريا سترحب بأي خطوة مماثلة، لانها تعتبر ذلك انتصارا لها، وهذا الترحيب سيشجع دولا اخرى للاقدام على الخطوات نفسها.
اذاً، لم تساوي قرارت جامعة الدول العربية في تعليق عضوية سوريا وسحب السفراء قيمة الحبر الذي كتب فيه، وسيثبت المستقبل القريب لهذه الدول أن مغادرة سفرائها لم تكن وسيلة ناجعة للضغط على الدولة السورية، وبالتالي لن يبقى لديهم سوى سبيل وحيد أعلنه الرئيس السوري بشار الأسد في بداية الأزمة أن "من يتحاملون علينا الآن من إخوتنا العرب سترونهم في دمشق معتذرين عمّا بدر منهم بعد الأزمة".