الوقت- لاشك ان الكيان الاسرائيلي لم يكن يتوقع حدوث الثورات العربية ولم يكن يستطيع فعل شيء ازائها لكن من المؤكد ان تل ابيب كانت واثقة من قدرة نظام "حسني مبارك" على التصدي للثورة المصرية وسبب ذلك هو صمت الشعب المصري ازاء النظام طوال عقود.
وكانت الأطراف الاسرائيلية تستخدم مصطلحات مثل الاضطرابات واعمال الشغب للثورة المصرية في بدايتها لكن تصاعد الثورة اجبر الاسرائيليين اخيرا على استخدام مصطلح الثورة لما يجري في داخل مصر وحينها بدأت تل ابيب بتوجيه اشارات الانذار والتحذير وشعرت بالخوف من كل الثورات العربية لأن الثورة المصرية كان يمكن ان تترك اثرا كبيرا على امن واستقرار الكيان الاسرائيلي.
وقد حاول الكيان الاسرائيلي باتباع هذه السياسة تشتيت انتباه الراي العام العالمي عن الصراع الاسرائيلي العربي ومنع امتداد نيران الثورات العربية الى فلسطين خشية اندلاع انتفاضة ثالثة تهدد استقرار كيان الاحتلال، ومن جهة اخرى كان الاسرائيليون يخشون ان تؤدي هذه الثورة الى افشال عملية التسوية والتطبيع بين العرب وتل ابيب وتؤثر سلبا على العلاقات المصرية الاسرائيلية وتدفع مصر نحو دعم الفلسطينيين.
ان الكيان الاسرائيلي كان یقول للغرب طوال العقود بأنه هو الكيان الديمقراطي الوحيد في المنطقة وان الانظمة العربية كلها دكتاتورية ولايمكن للدول العربية ان تشهد ارساء نظام ديمقراطي مدني وهذا يفسر سعي تل ابيب لافشال الثورات العربية ولذلك عمدت الماكينة الاعلامية والدعائية الاسرائيلية الى تشويه اهداف الثورات العربية واطلاق دعوات لابقاء الانظمة العربية التي ساهمت لعقود في بقاء الكيان الاسرائيلي.
وتعلم تل ابيب جيدا ان التغيير الديمقراطي في الدول العربية ليس في صالح هذا الكيان ابدا لأنه سيلبي مطالب الشعوب العربية ويمنحهم هامشا كبيرا من الحرية وان هذه الشعوب سترفض بالتأكيد ما كانت تفعله الانظمة في مجال التطبيع مع الاسرائيليين وعندما وصلت الثورات العربية الى شوارع القاهرة بدأ الاسرائيليون مساعيهم لانقاذ نظام "حسني مبارك" خاصة عندما اقترحوا مجيء "عمر سليمان" الى الحكم بدلا عن "مبارك"، كما أبرق الاسرائيليون الى الدول الغربية مطالبين منهم التدخل لانقاذ نظام "مبارك" لكنهم فشلوا في محاولاتهم لان الشعب المصري اصر على تحقيق مطالبه.
وبعد سقوط نظام "مبارك" دخل الاسرائيليون في حالة من القلق الشديد لأنهم كانوا يدركون بان الثورة ستؤثر على اتفاقيات السلام والتطبيع وان الاسلام السياسي سيتقدم نحو الامام حتى الوصول الى اعلى قمة السلطة في مصر، وتماما كما توقع الاسرائيليون فإن النظام المصري الجديد لم ينتهج الودية في تعامله مع تل ابيب.
وفيما يتعلق باتفاقية كمب ديفيد التي حولت مصر من دولة معادية للكيان الاسرائيلي الى دولة صديقة له فإن القلق الاسرائيلي الواضح كان في محله لأن مصر بعد ثورة سمحت لسفينتين حربيتين ايرانيتين بالعبور من قناة السويس وهذا اثار قلق الاسرائيليين بشكل جدي لأن هذه الحدث كان يدل على التطور الحاصل في العلاقات المصرية الايرانية بعد الثورة.
ويمكن القول ان الكيان الاسرائيلي يبذل حاليا كل جهده من اجل استمرار العمل باتفاقية كمب ديفيد واستمرار العلاقات الاسرائيلية المصرية لأن تأثر هذه الاتفاقية بالثورات العربية يهدد الامن الاسرائيلي وهذا الامر هو الذي حاول الاسرائيليون عدم حدوثه منذ عام 1948، وهذا يفسر الاهتمام الاسرائيلي الشديد بالتطورات الجارية في مصر ومراقبة الاوضاع في هذا البلد وهذا ليس حكرا على الجهات الرسمية في الكيان الاسرائيلي بل ان الاحزاب السياسية ومراكز الابحاث والدراسات في هذا الكيان و وسائل الاعلام الاسرائيلية ايضا يولون اهمية كبيرة لهذه القضية.
وربما نجحت بعض المحاولات الاسرائيلية والغربية ومحاولات اطراف داخلية مصرية في حرف مسار الثورة المصرية او مصادرتها ومصادرة انجازاتها عبر الانقلاب العسكري على الحكومة الشرعية لأن جهود هؤلاء كلهم تظافرت على الشعب المصري الذي كان يحلم باعادة بلاده الى المسار الصحيح، كما عمدت الدول العربية النفطية ايضا الى وضع العصي في دواليب الثورة المصرية خدمة للمصالح الامريكية والاسرائيلية لكن يجب على الجميع ان يعلموا بان الشعب المصري قد اثبت بانه يمتلك القدرة على قلب الموازين متى ما شاء وهذا ما اثبته في ثورته التي تكالب عليه جميع الجهات.