الوقت- إتخذت باكستان مواقف تستحق التأمل تجاه الأزمات التي شهدتها العديد من دول العالم العربي خلال السنوات الأخيرة لاسيّما في البحرين وسوريا والعراق واليمن.
فهذه المواقف تأثرت من جانب بعلاقة باكستان بالسعودية بإعتبارها حليفاً تقليدياً وطرفاً فاعلاً في مجلس التعاون ومؤثراً في العالم العربي، لكنها واجهت من جانب آخر تحدياً أساسياً في كيفية جعل هذه المواقف متوازنة مع مواقف إسلام آباد تجاه طهران.
ولعبت المؤثرات الداخلية والتقلبات السياسية في باكستان دوراً مهماً في صياغة تلك المواقف، فمن جهة يرغب حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نواز شريف بتقوية العلاقات مع السعودية، في حين ترفض أحزاب أخرى في مقدمتها حزب الشعب الباكستاني ثاني أكبر أحزاب البلاد، أن تكون هذه العلاقة سبباً في تأجيج النزاعات الطائفية في البلاد.
وبرغم العلاقة المتينة التي تربط رئيس الوزراء الباكستاني بالسعودية، إتخذت إسلام آباد موقفاً إعتبره المراقبون متحفظاً إن لم يكن رافضاً لمشاركة جيشها في العدوان السعودي المتواصل على اليمن منذ عشرة أشهر خوفاً من إنجرارها إلى دوامة الصراع المذهبي داخلياً وخارجياً.
بالإضافة إلى ذلك فإن الأحزاب والتيارات السياسية التي تمثل شيعة باكستان الذين تصل نسبتهم إلى أكثر من 20 % من مجموع السكان البالغ حوالي 190 مليون نسمة تعارض تدخل حكومة إسلام آباد في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما تمانع الكثير من منظمات المجتمع المدني والنخب المثقفة والمستقلة في باكستان أن تتحول الأزمات في بعض الدول العربية إلى سبب في إثارة الفرقة الطائفية وزيادة التوتر الأمني في داخل البلاد.
فهذه الأطراف وغيرها تخشى من أن يتسبب التقارب بين الرياض وإسلام آباد في تقويض العلاقة بين باكستان وإيران التي تشترك معها بحدود برية تصل إلى نحو 900 كيلومتر، وتربطها معها إتفاقيات تعاون مشترك في كافة المجالات الإقتصادية وتنسيق أمني عالي المستوى لمواجهة التنظيمات الإرهابية وشبكات تهريب المواد المخدرة التي تنشط على الحدود بين البلدين.
فموقف الحكومة الباكستانية في علاقاتها مع طهران يحتكم لمصلحة البلاد العليا، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم دخولها في الخلاف الحالي بين طهران والرياض، لأنها تسعى للحفاظ على مصالحها مع البلدين على حد سواء، وتعمل على رأب الصدع وتطويقه بأسرع وقت ممكن، وهو ما أكده وزير الدفاع الباكستاني "خواجه آصف" عندما قال بأن بلاده لن تنضم لأي تحالف معاد لایران، متسائلاً في الوقت نفسه إن باکستان تضم أکبر عدد من الشیعة بعد إیران بین الدول الإسلامیة، فکیف یمکنها أن تفکر بالإنضمام لتحالف معاد للشیعة.
وقبل مدة أكد مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية "سارتاج عزيز" إن بلاده لن ترسل قوات بريّة إلى السعودية، وتسعى في الوقت ذاته للتخفيف من حدة التوتر القائم بين الرياض وطهران على خلفية جريمة إعدام الشيخ "نمر باقر النمر" على يد السلطات السعودية وما تبعها من إحتجاجات شعبية واسعة في إيران أسفر إحداها عن إقتحام سفارة الرياض في طهران من قبل عدد من المواطنين الإيرانيين الغاضبين.
من جانب آخر يؤكد الكثير من المراقبين أن زيارات المسؤولين السعوديين الأخيرة إلى باكستان فشلت في إقناعها بقطع أو خفض مستوى علاقاتها مع إيران، كما فشلت في إقناعها بإشراك القوات المسلحة الباكستانية في العدوان السعودي المتواصل على اليمن، أو تقوية "التحالف العسكري الإسلامي" الذي دعت له الرياض مؤخراً، خصوصاً بعد أن ترددت أنباء تشير إلى أن إسلام آباد لم تكن تعلم بتفاصيل هذا التحالف.
من جانب آخر هناك في الوقت الحاضر أكثر من ثلاثة ملايين باكستاني يعملون في دول مجلس التعاون ويساهمون برفد بلادهم بنحو ستة مليارات دولار سنوياً ، كما ترتبط إسلام آباد بعلاقات تجارية تصل الى أكثر من 11 مليار دولار مع دول المجلس.
الى جانب ذلك وبسبب عدم قدرتها على مواجهة المخاطر الأمنية في أوقات الأزمات توجهت بعض دول مجلس التعاون الى باكستان لتأمين ما تحتاجه من قوات أمنية وعسكرية، كما حصل في البحرين التي إستعانت بالجيش الباكستاني لمواجهة الثورة الشعبية التي إندلعت في البلد قبل نحو خمس سنوات للمطالبة بالإصلاح السياسي ونبذ الطائفية وإطلاق الحريات العامة لاسيّما حرية التعبير عن الرأي.
وبما أن الدعم الإقتصاي هو السبب الرئيسي في التعاون الباكستاني السعودي، فإن العجز الإستراتيجي في الميزانية السعودية والذي وصل إلى عتبة الـ 100 مليار دولار سيؤثر دون أدنى شك على حصة باكستان من المساعدات السعودية، کما أن إفتضاح نقاط الضعف السعودية والمغامرات السياسية والعسكرية الخارجة عن سیطرتها، جعل إسلام آباد أكثر حذراً في علاقاتها مع الرياض؛ وقد بلغ هذا الحذر ذروته في معارضة البرلمان الباكستاني إرسال قوات عسكرية إلى اليمن، إذ ليس من الحكمة الإعتماد على بلد مثل السعودية، التي یُشك کثیراً في إستقرارها على جميع الأصعدة.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين بوضوح أن باكستان لا يمكنها وضع كل بيضها في سلّة واحدة وعليها أن توازن في علاقاتها مع دول مجلس التعاون والسعودية على وجه التحديد من جهة ومع إيران من جهة أخرى. ويتوجب على قادتها إقامة علاقات إقتصادية وأمنية وعسكرية مع الدول الأخرى دون أن تصل هذه العلاقات إلى حد التدخل المباشر إلى جانب طرف معين على حساب طرف آخر، بل من المحبذ لإسلام آباد أن تقوم بدور الوسيط في حال الأزمات بدل الإنحياز إلى جهة معينة كي تحافظ على علاقات متوازنة مع جميع هذه الأطراف.