الوقت - لم تكن واشنطن لتغير موقفها المعلن من التطورات التي شهدها العراق بعد تاريخ 9 حزيران / يونيو 2014، لولا الانتصار المدوي الذي صنعه العراقيون والمتمثل بكسر الحصار الذي فرضته "داعش" على مدينة آمرلي من جهاتها الاربع وعلى مدى شهور.
في 9 حزيران / يونيو، غزت "داعش" العراق واحتلت الموصل ومناطق واسعة من العراق وهددت بغداد واربيل ، وما كان ل"داعش" ان تسيطر على كل تلك المناطق الشاسعة، لولا تواطؤ البعثيين وفلول النظام السابق من عسكريين وسياسيين ورجال دين طائفيين و رؤساء عشائر وحواضن ومغرر بهم، ولولا الحرب النفسية التي شنت على الجيش العراقي من قبل كبار مسؤولي محافظة الموصل و بعض السياسيين العراقيين والبرلمانيين و وسائل الاعلام، والتي احدثت فجوة كبيرة بين اهالي المناطق الغربية والجيش العراقي والتي انتهت باحتلال الموصول وتكريت، وفاجعة سبايكر، وكارثة سبي الايزديين.
حينها كانت الادارة الامريكية تتفرج وتضغط على الجرح العراقي عبر تصريحات غير مسؤولة تتناقض بالمرة مع الاتفاق الامني الذي وقعته مع العراق ، حيث حملت الحكومة العراقية مسؤولية ما جرى، رافضة تقديم اي مساعدة للعراق، تاركة "داعش" تنهش بالجسد العراقي، على امل ان تُوصل حرب الاستنزاف "الداعشية " العراق الى مرحلة الاستسلام للاملاءات الامريكية التي رفضها العراقيون من قبل، ولكن الريح العراقية لم تهب كما تشتهي امريكا، حيث تفاجأ الامريكيون بالانتصار المدوي الذي حققه العراقيون والمتثمل بكسر الحصار "الداعشي" على مدينة آمرلي، والذي جاء بفضل الفتوى التاريخية للمرجع الاعلى اية الله السيد على السيستاني، التي اعطت زخما معنويا للشعب العراقي الذي كان يعيش ظرفا صعبا.
هذا الانتصار جعل الامريكيين يعيدون حساباتهم في التعامل مع الغزو "الداعشي" للعراق، على الاقل لحفظ ماء الوجه، حيث اعلنت واشنطن انها ستقدم دعما جويا للقوات المسلحة العراقية التي تقاتل "داعش"، في اطار تحالف دولي شاركت فيه دول كانت ومازالت الداعم والممول الرئيسي للمجموعات الارهابية التي تقاتل في سوريا والعراق، ولكن رغم ذلك ظلت واشنطن تحاول استنزاف الزخم المعنوي الذي تحقق لدى العراقيين بعد انتصار آمرلي، فهي ما انفكت تشكك في قدرة الجيش العراقي في شن هجمات يمكن ان تحقق انتصارات على الارض على الاقل في المدى المنظور، بل انها كانت المصدر الرئيسي للشائعات التي كانت تشاع حول احتمال دخول "داعش" بغداد، او سيطرتها على المطار.
بينما الامريكان يمعنون في اضعاف معنويات الشعب والجيش العراقي، عبر مواصلة الضربات الجوية الاستعراضية التي كان ينفذها تحالف فضفاض من دول متهمة من قبل الحكومة العراقية بدعم "داعش"، جاءت الضربة العراقية القاضية، للمشروع الامريكي في العراق، يوم 24 تشرين الاول / اكتوبر الماضي، وذلك عندما اعلنت الحكومة العراقية عن تحرير الجيش العراقي باسناد من قوات الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية ، مدينة جرف الصخر الاستراتيجية، الواقعة شمال محافظة بابل وجنوب العاصمة بغداد.
اهمية جرف الصخر التي تبعد 60 كيلومترا جنوب غرب بغداد، وهي ضمن حزام بغداد الجنوبي، وكانت الى جانب ما يسمى بمثلث الموت المؤلف من مدن اللطيفية والمحمودية واليوسفية، تشكل قاعدة للزمر التكفيرية والبعثية وعلى راسها "داعش"، لتهديد بغداد و عزلها عن المحافظات الوسطى والجنوبية ، وكانت تشكل تهديدا لكربلاء والنجف، كما كانت تشكل محورا مهما يربط جنوب بغداد بالمناطق التي تسيطر عليها "داعش" في عامرية الفلوجة والفلوجة والمناطق الغربية، ويمكن تلمس اهمية هذه المنطقة من خلال تمسك "داعش" بها وعجز الامريكان عن طردهم منها، الا ان هذا الامر تحقق على يد السواعد العراقية مع بداية شهر محرم الحرام.
الانتصار العراقي في جرف الصخر، جاء ليجسد تجسيدا عمليا وحدة وتلاحم العراقيين، مرجعية وحكومة وشعبا وجيشا وقوات امنية وشرطة وحشدا شعبيا ومقاومة، فهو انتصار عراقي خالص :"لم تشترك فيه الا القوات العراقية ..وان طيران التحالف الدولي لم ينفذ اي ضربة جوية ضمن الحدود الجغرافية لمحافظة بابل" ، كما كشف رئيس مجلس محافظة بابل رعد حمزة علوان الجبوري.
الانتصار العراقي الذي حول جرف الصخر الى جرف النصر حمل العديد من الرسائل الى من يهمه الامر، اصدقاء واعداء، ومن هذه الرسائل:
- ان بامكان الشعب العراقي، اتكالا على سواعد ابنائه، ان يحقق الانتصارات، وان يلحق الهزيمة بالزمر التكفيرية، وهي مهمة عجز الجيش الامريكي عن تحقيقها.
- ان بامكان الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي ان تلحق الهزيمة ب"داعش" في معاقله وداخل حواضنه.
- الانتصار اثبت ان "داعش" ليست الا فزاعة، صنعتها الداعية الامريكية الاسرائيلية الرجعية العربية، لتنفيذ مخططاتها.
- اثبت الانتصار في جرف النصر حكمة وحنكة ودراية المرجعية الدينية التي يعود لها الفضل في تشكيل قوات الحشد الشعبي التي كانت ظهيرا قويا للقوات المسلحة العراقية.
- أعاد الثقة بالنفس الى الجيش العراقي الذي تعرض لهجمة اعلامية وحرب نفسية ظالمة على مدى سنوات.
- رد ردا عمليا على تخرصات بعض المسؤولين الامريكيين التي استهدفت الحكومة العراقية والجيش العراقي.
- ان بالامكان تحقيق الانتصار في حال توفرت الارادة الحقيقة والايمان الصلب بالقضية، قبل السلاح والعتاد.
- انكشاف حقيقة الحرب الاستعراضية الامريكية ضد "داعش".
- انتصار جرف النصر هو بداية نهاية "داعش" في العراق.
- الانتصار وجه رسالة خاصة الى اهالي وعشائر المناطق الغربية من العراق مفادها ان بامكانكم الحاق الهزيمة ب"داعش" لو توفرت ارادة حقيقية في مواجهة هذا التنظيم، وايمان حقيقي بالنصر.
- هناك رسائلة ارسلها انتصار جرف الصخر الى العالم اجمع مفاده ان الشعب العراقي يميز وبدقة بين من يقف الى جانبه في وقت الشدة من الاشقاء والاصدقاء، ومن يخذله ويتركه وحيدا في مواجهة الارهاب، فمن بين كل اشقاء واصدقاء الشعب العراقي، كانت ايران، البلد السباق في العالم الذي قدم المساعدة الى الشعب العراقي دون الاخذ بنظر الاعتبار الخلفية القومية والمذهبية للمكون العراقي الذي تهدده "داعش"، فكلنا يتذكر تصريحات رئيس اقليم كردستان العراقي السيد مسعود البرزاني الذي اعلن فيها ان ايران كانت اول دولة في العالم تقف الى جانب الكورد وتمدهم بالسلاح للوقوف في وجه "داعش" دون ان تطلب مقابل ذلك اي شيء، اما الوزير السابق لوزارة البيشمركه الكوردية في اقليم كوردستان العراق والقائد العسكري لقوات البيشمركه حاليا شيخ جعفر شيخ مصطفي، فقد ادلى بتصريحات لصحيفة "آوينه" الكوردية، تقدم فيها بالشكر الى اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، لما قدمه من مساعدة للقوات الكوردية في مواجهة "داعش"، معربا عن امتنان الكورد للواء سليماني.
اللواء سليماني كما وقف الى جانب الكورد وقف الى جانب التركمان في آمرلي، و وقف هذه المرة الى جانب العراقيين وهم يحررون جرف النصر من براثن "داعش"، دون ادني ضجة اعلامية او حرب دعائية او حتى ادعاء بالمشاركة في الجهد العراقي، فايران ليست امريكا التي اقامت الدنيا ولم تقعدها وهي تعلن حربها الاستعراضية ضد "داعش"، فايران ترى نصرة العراقيين واجبا تفرضة الانسانية والاخلاق والجيرة والاسلام والتاريخ المشترك والاواصر الاجتماعية والثقافية، لذلك نرى ان خبر وجود اللواء سليماني في جرف الصخر لم يكن مصدره وسائل اعلام ايرانية، التي لم تشر من قريب او بعيد لهذا الامر، بل ان مصدر الخبر جاء من وسائل اعلام عراقية، لم تر في الاعلان عن وجود اللواء سليماني في العراق ما يتعارض مع سياسة العراق المعلنة، كما اشار الى ذلك سفير العراق في الولايات المتحدة لقمان فيلي في حديث مع اذاعة "سوا"، حيث اعتبر تواجد اللواء سليماني في العراق امرا طبيعيا، مؤكدا ان الحكومة العراقية اعلنت ان هناك خبراء عسكريين ايرانيين في العراق يساعدون القوات العراقية في التصدي ل"داعش".
ماجد حاتمي