الوقت- الخوف من اقتدار إيران بعد الاتفاق النووی، الإحساس بالعزلة بسبب عدم اهتمام الإدارة الأمريكية، اليأس من السياسة الخارجية العدوانية المتخذة في اليمن، و الآثار السلبية لإنخفاض أسعار النفط؛ كل هذه العوامل دعت السعودية إلى إيجاد عدوٍ من أجل تهدئة شعبها في الداخل والسعي لعدم انفلات الأوضاع من بين أيديها.
حسب التقرير الذي أعدته الديلي بيست يقول: أنه من الواضح بأن التوتر القائم بين إيران والسعودية بدأ يتطور ليصبح توتراً بين طائفتين من المسلمين بين الشيعة والسنة ولكن التحقيق والتعمق في الأمر يكشف أبعادً أخرى للقصة في الغالب هي أبعادٌ سياسية ولكن تم السعي إلى إلباسها ثوب الطائفية والدين والمذهب.
في البداية لابد لنا بأن ندقق في التاريخ والزمان الذين قامت بهما السعودية بإعدام الشيخ النمر، عالم الدين الشيعي البارز الذي يعتبر من المعارضين لنظام الحكم هناك. أمرٌ تم العمل عليه خصيصاً من أجل استفزاز إيران التي طالما صرحت وبشكل متكرر بأن إعدام "الشيخ النمر" من الممكن بأن يؤدي الى نتائج وخيمة.
بعد إعدام "الشيخ النمر" يبدو بأن التوقعات بدأت تتحقق فعلاً وتم الهجوم على سفارة السعودية في طهران من قبل الشعب الإيران الغاضب ومرة أخرى بدأ الحديث عن الخلافات بين الشيعة والسنة واللعب على حبل الطائفية البغيضة والمهم في الأمر بأن الواقع والحقيقة شئٌ آخر تماماً بعيداً كل البعد عن ما يطرح ويقال.
ازداد قلق السعودية وآل سعود بشكل كبير جداً بعد التوافق الذي وصلت إليه إيران مع مجوعة 5+1 في 14 تموز والذي سيؤدي في النهاية إلى إلغاء جميع العقوبات الدولية على إيران مما يعني بأن قدرة إيران وقوتها ستزدادان أضعافاً عما كانتا قبل، في الوقت الذي بدأت العلاقات بين واشنطن والرياض بالفتور شيئاً فشيئاً حيث يعتقد السعودييون بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وعلى الرغم من العلاقات الطويلة مع السعودية قرر بأن يضع حداً للتوتر القائم مع إيران ويتركهم وحيدين في مجابهة نجم إيران الصاعد في المنطقة.
من هذا المنظور يمكن القول بأن المسئلة قبل أن تكون مذهبية هي سياسية في الأصل كلا البلدان يعتبران بأن قيادة الشرق الأوسط هي من حقه الطبيعي فالتنافس الجيواستراتيجي بين البلدان أدى إلى استخدام لغة المذهب والدين من أجل إخفاء أهدافهما السياسية.
إذا نظرنا من هذا الإطارللإجراءات الأخيرة التي قامت بها السعودية يصبح التفسير أسهل، إعدام "الشيخ النمر" هو في الأصل عمل سياسي مدروس بدقة والأهم من ذلك هو وجود عوامل داخلية أجبرت آل سعود على القيام بهذا العمل الطائفی و بالتالي إلى زيادة العداوات.
من الواضح بأنه ومنذ الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الـ5+1 تقوم واشنطن بغض النظر وإهمال القلق الذي يبديه آل سعود من البرنامج النووي الإيراني وهذا الأمر أدي الى إحساس السعودية بالعزلة والوحدة أكثر من قبل ومن ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار النفط الى 34 دولاراً للبرميل - الذي يعتبر أدنى مستوى لبرميل النفط منذ عام 1990 حتى الأن- وجه ضربة قاسية للاقتصاد السعودي المرتبط بالنفط لحدٍ كبير وأضعفه.
تواجه الرياض حالياً عجزاً كبيراً في الميزانية يقارب الـ 98 مليار دولار، الأمر الذي أجبرها على رفع سعر المحروقات مايقارب الـ 50بالمئة وهذا العمل يعتبر خطير جداً بالنسبة للسعودية الدولة النفطية والغنية التي تسعى إلى تهدئة الوضع الداخلي وجلب رضا الشعب عن طريق الهبات والمكافئات وتقديم فرص عمل بمردود عال في هذه الحالة يمكن أن تواجه السعودية عجزاً في الاستمرار بتقديم الخدمات والهبات و"رشوة" الشعب وهذا يمكن أن يؤدي الى عدم الاستقرار داخل المملكة وإيجاد حالة من عدم الرضا على أداء آل سعود و"الملك سلمان".
يضاف إلى كل ماسبق سعي الملك سلمان منذ توليه الحكم الى اتخاذ سياسة خارجية عدائية ومتهورة بالنسبة لأزمات المنطقة وخصوصاً طريقة تعامله مع أزمة اليمن حيث كانت تكاليف هذه السياسة باهظة الثمن على عكس النتائج التي جناها منها.
التوتر وعدم رضا السعودييون من السياسة المتبعة من طرف والفشل الذريع التي منيت به سياستها الخارجية من طرف آخر دعا حكام السعودية للبحث عن مخرج لأزمتهم ومنع تدهور الأوضاع داخل البلاد ولتلافي نفاذ صبر الشعب من الوضع الراهن فالحل الوحيد هو حرف الرأي العام الى مكان آخر وإشغاله بمسائل أخرى.
ولأجل حرف الرأي العام لابد لهم من صنع عدوٍ شيعي "الشماعة التي يعلقون عليها كل أخطائهم" والبعبع الذي يستطيع أن يوحد الطائفة السنية داخل السعودية وعلى امتداد الشرق الأوسط والذي من الممكن بأن يضمن لهم انشغال الشعب والرأي العام بهذا مما يخفف عنهم الضغط قليلاً ويعطيهم مساحة أوسع للمناورة ومواصلة سياساتهم وأهدافهم.