شهدت البحرین فی شباط / فبرایر عام 2011 تظاهرات واسعة تطالب بتعدیل الدستور وتغییر رئیس الوزراء الشیخ خلیفة بن سلمان آل خلیفة، وبلغت هذه التظاهرات ذروتها بعد تدخل قوات مجلس تعاون الدول العربیة بالخلیج الفارسی بقیادة السعودیة فی شؤون هذا البلد فی منتصف آذار/ مارس من نفس العام. وبمرور الوقت ومنذ ذلک التاریخ وحتی وقتنا الحاضر ازدادت حدة المعارضة رغم القمع الشدید للمتظاهرین من قبل النظام وکثرة الاعتقالات فی صفوف المشارکین بالاحتجاجات الشعبیة المطالبة بالدیمقراطیة والتغییر السیاسی. ومع تصاعد حدة القمع من جانب السلطات ارتفع سقف مطالب المتظاهرین ووصل الأمر إلی المطالبة بإسقاط النظام بعد أن کانت تقتصر هذه المطالب فی البدایة علی الدعوة لتعدیل الدستور وتغییر رئیس الوزراء. وبسبب التباین فی وجهات النظر بین قوی المعارضة حول هذا الأمر یمکن تقسیم مواقف الأحزاب البحرینیة المؤثرة والنشطة والتی تقود الاحتجاجات إلی قسمین أساسیین؛ الأول یدعو إلی إسقاط النظام والآخر یطالب فقط بتعدیل الهیکلیة السیاسیة وتشکیل حکومة دستوریة فی البلاد. وتعد جمعیة الوفاق الوطنی الإسلامیة من ابرز المؤیدین للقسم الأول أو ما یعرف بتیار الإصلاح الذی یقوده الشیخ عیسی قاسم ویتحالف معه الکثیر من الطائفة السنیة، وهذا التیار یحظی بتأیید سیاسی واسع بین مختلف شرائح المجتمع. ونظرا لما یملکه من تاریخ اجتماعی وسیاسی حافل یتمکن هذا التیار من حشد نحو 300 متظاهر فی آن واحد وتوظیف طاقاتهم لخدمة الثورة والأهداف التی یسعی لتحقیقها من خلال نهجه الداعی إلی التغییر السیاسی. والحقیقة أن هذا التیار ومنذ الیوم الأول لانطلق الثورة فی 14 شباط / فبرایر عام 2011 أکد فی بیاناته أن الهدف من الثورة یکمن فی تحقیق الإصلاح ولیس له نیة لإسقاط النظام. وقد وقّع هذا التیار مع سائر الأحزاب الإصلاحیة الأخری وثیقة عرفت فیما بعد بـ"وثیقة المنامة" أکدوا فیها بأن مطالبهم الأساسیة تتلخص بتأسیس نظام یقوم علی مبدأ الملکیة الدستوریة وعزل رئیس الوزراء وتشکیل حکومة منتخبة من قبل الشعب. وفی مقابل ذلک یعتقد التیار الآخر بعدم مشروعیة الحکومة واستحالة إصلاحها ولهذا فهو یلوّح بإمکانیة اللجوء إلی القوة لمواجهة القوات الأمنیة التابعة للنظام لتحقیق أهدافه والتی یأتی فی طلیعتها تشکیل نظام سیاسی جمهوری لإدارة شؤون البلاد.
وتبعا لذلک عمد نظام آل خلیفة إلی نوعین من المواجهة مع قوی المعارضة. فبعد مدة قصیرة من اندلاع الثورة وتحدیدا فی آذار/مارس وشباط/فبرایر 2011 سعی النظام إلی طرح مبادرة سیاسیة لحل الأزمة مع جبهة الوفاق، والمبادرة تقدم بها ولی العهد البحرینی وهو من المسؤولین الذین یبحثون عن حلی سلمی لهذه الأزمة. وکان متوقعا منذ البدایة أن الأزمة لن تحل فی غضون أسابیع بسبب الخلافات السیاسیة المتجذرة بین الطرفین. وساهم ذلک بتعزیز سلطة رئیس الوزراء وأسلوبه الأمنی لإجهاض الثورة، وبالتالی أُتخذت هذه الخلافات ذریعة من قبل النظام بأن الحل السیاسی الذی طرحه ولی العهد غیر ممکن ولابد من استخدام القوة والأجهزة الأمنیة لقمع الثورة. وفی الحقیقة سعی النظام من خلال ذلک إلی إخراج الاحتجاجات من إطارها السلمی السیاسی وتصویرها للرأی العام علی أنها تعرض أمن البلاد للخطر بسبب خشیته من توسع نطاق هذه الاحتجاجات التی حظیت بتأیید قوی المعارضة ولفتت انتباه واهتمام المنظمات الإقلیمیة والدولیة وبالذات منظمات حقوق الإنسان ووضعت القوی الأجنبیة المؤیدة للنظام وفی مقدمتهم أمیرکا فی وضع حرج. وکلما زادت حدة الاحتجاجات التی یقودها التیار المطالب بإسقاط النظام یسعی النظام إلی تصعید الموقف عبر تشدید التدابیر الأمنیة لمواجهة هذه الاحتجاجات. ولجأ النظام مراراً إلی قمع التظاهرات من خلال استخدام القوة المفرطة والاستعانة بالمرتزقة وضاعف من ضغوطه الاجتماعیة والسیاسیة علی قوی المعارضة خصوصا الشیعیة لإسکات الأصوات المناهضة والمؤثرة فی هذه الثورة.